مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

نحن.. و”غزة” الصمود والمقاومة..! الشيخ كمال أبوسنة

Sans titre فكرتُ كثيرا فيما يحدث في غزة من عدوان همجي وحصار ظالم من طرف كيان غاصب تدعمه قوى الشر والطغيان وعلى رأسها الدولة الإرهابية الأولى في العالم:”الولايات الأمريكية المتحدة” والتعامل السلبي مع هذا الوضع من دول الطوق العربية، و سارت خلفها على نفس النهج معظم الدول العربية التي عاد وجودها كعدمه، لا تنفع وفي كثير من الأحيان تضر…

وتساءلت لماذا أصبح الوضع العربي الراهن متعفنا إلى هذه الدرجة، وكأننا نعيش عصر التتر أيام سقوط بغداد حين كان الجندي التتري يأسر عُصبة من المسلمين ويطلب منهم بأن يبقوا في أماكنهم دون حراك حتى يعود بالحبل، فيوثقهم، ثم يذبحهم ذبح الشياه، فيستسلمون لهذا المصير الرهيب من دون أدنى مقاومة، رغم أنهم كانوا يدركون أنهم إن قاوموا ربما نجوا، وإن لم يقاوموا ماتوا، فالموتُ بشرف المقاومة أفضل من الموت بذلة الاستسلام..!

لقد تتبعتُ كغيري من المسلمين العدون الهمجي على غزة والحصار الجائر عليها، بل العدوان والحصار على الأمة الإسلامية كلها من خلال غزة، ورأيتُ المسيرات التي خرجت تهتف بالويل، وسواد ليل “إسرائيل”، وقرأتُ مقالات كُتّاب معروفين ومغمورين، وبيانات من هيئات، تستنكر ما يحدث في “غزة” من تقتيل وتجويع وتعذيب للمستضعفين فيها، فقلتُ في نفسي:” هذا أضعف الإيمان”!!!

بيد أنني حين أمعنتُ النظر وجدتُ أن أصل المشكلة ليست في الكيان الغاصب “إسرائيل” أو أمريكا أو أخواتها من الدول المعادية للأمة الإسلامية، وإنما المشكلة فينا نحن المسلمين حُكاما ومحكومين، إذ كيف يُغيّر الله أحوالنا ونحن لم نُغيّر ما بأنفسنا مصداقا لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾.

ودعني أضرب مثالا حتى يتضح المقال: إن الذين خرجوا مشكورين مأجورين- إن شاء الله- في مظاهرات ضد الكيان الصهيوني”إسرائيل” من أجل نصرة أهل غزة كانوا بالآلاف إن لم أقل بالملايين، ولكن كم واحدا من هؤلاء يصلي صلاة الصبح في وقتها بالمسجد، أجزم لو أننا دعوناهم لذلك لأصبحت هذه الآلاف مئات أو عشرات، وسنجد المسجد يشتكي الفراغ في هذا الوقت..!

إذن فالمسألة ليست فقط عاطفة حارة اتجاه “فلسطين”، وإنما القضية أكبر من صوت مرفوع يهتف بسقوط إسرائيل أو مقال مكتوب يداعب العواطف أو خطبة نارية تتوعد الأعداء …ثم ماذا بعد ذلك …؟ لا شيء .!!

إن الذين سيعيدون العزة للأمة سماهم الله – عز وجل – في سورة الإسراءعبادا لنا…وليسوا عبادا لشيء آخر..!

سألني أحدهم: إذن متى ننتصر على أعدائنا ؟!

أجبته:” يوم تمتلئ المساجد بالمصلين في صلاة الصبح، كما تمتلئ في صلاة الجمعة…ويوم يرفع الواحد منا صوته بالدعاء لأهل فلسطين، ومأكله من حلال ومشربه من حلال وملبسه من حلال”.!

من الصعب أن تكون شاهدا على إبادة شعب بأكمله من دون أن تقدر على فعل شيء له سوى الشجب والتنديد والاستنكار، وتُمنع من نجدته بالوسائل العملية الأخرى، وترى العوائق المصطنعة تحول بينك وبين أي فعل إيجابي ينقذ أرواحا قبل أن تكون مسلمة هي أرواح إنسانية، فما بالك إذا اجتمع الوصفان..!

إنني أكتب هذه الكليمات، وأنا خجلان من نفسي، لأنني ما استطعت أن أقدم لإخواننا الفلسطينيين المحاصرين في غزة إلا “هدرة” في درس مسجدي يوم الجمعة، أو وقفة تنديد عابرة، أو مقال أخطه باكيا، وأنا أعرف مسبقا أنه اعتذار إلى الله تعالى ليس إلا، فالقدس لن يحررها مقال يكتب، ولا اجتماع يعقد، ولا مؤتمر ينظم، ولا بكاء على الأطلال، أو وعيد فارغ من وراء حجاب، ولا هتاف مرفوع بعد خطب نارية يخمد أوارها حين تتفرق الجماهير لتعود إلى بيوتها فتنشغل بغلاء الأسعار وهموم الحياة الأخرى..!

مأساة “غزة” -ومآسي المسلمين الكثيرة في بقاع الأرض – تفضح كل يوم حكام العرب أولا وقبل كل شيء، فالعربي الجاهلي قديما كان رغم ضلاله البعيد صاحب نخوة لا يقبل أن يمس شرفه أو شرف عربي آخر بخدش بسيط من معتد خارجي كما حدث في واقعة “ذي قار” بين العرب والفرس، ولا أدري كيف يعلق أو يتصرف أو يشعر – إن كان فيه شعور – حكامنا حين يشاهدون موت طفل صغير برصاص العدو الصهيوني وصواريخه، أو استنجاد امرأة عجوز اعتدي عليها، أو فتاة بريئة في مقتبل العمر تبكي وتنادي “وا إسلاماه، واحكام العرب”!.

أغلب الظن أن المليارات التي تُجنى من عائدات البترول، وما توزعه أمريكا من دولارات كرشاوى على بعض الدول العربية، تجعلهم يتناسون هذه النداءات الحرى، أستغفر الله، لعله لا يوجد وقت لهم لمشاهدة مآسي المسلمين أصلا فهم أحرص الناس على حياة..!

تروي كتب السيرة أن امرأة من العرب قدمت بِجَلْبٍ لها “أي ما يباع في السوق” فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها، فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا منها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديا، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلمين على يهود، فغضب المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع، فحاصر النبي صلى الله عليه وسلم بني قينقاع مدة من الزمن حتى نزلوا على حكمه، وأجلاهم عن المدينة المنورة، فخرجوا إلى أذرعات الشام، وصدق الله العظيم إذ يقول:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾.[المائدة:51- 52].

وهذه الآيات نزلت تعلق على فعل أحد كبار المنافقين، وهو عبد الله بن أبي بن سالون الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين حاصر بني قينقاع:” يا محمد أحسن في مواليَّ “.

 ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلتفت إليه، وكرر هذا المنافق طلبه وهو يمسك بدرع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بكل وقاحة بعد أن طلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يترك درعه:” لا والله لا أرسلك – أي أتركك – حتى تحسن في موالي: أربع مائة حاسر وثلاث مائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة؟ إني امرؤ أخشى الدوائر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:” هم لك”.

وأمر بني قينقاع أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها.

وفي المقابل كان للصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه من المحالفة مع هؤلاء اليهود مثل الذي لعبد الله بن أبي فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا:”إنني أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم” فأنزل الله الآيات التي ذكرناها سابقا”.

إن خطر الكافرين لشديد، والأشد منه خطر المنافقين، هم العدو فاحذروهم قاتلهم الله.!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى