تؤشر الأحداث الجارية في غزة اليوم إلى تحولات جذرية و حقيقية في إطار الصراع العربي الصهيوني،كما أنها تعمل على الدفع بالأمة نحو وعي جديد بقيمة مركزية القضية الفلسطينية في وعي الجيل الجديد الذي عملت أنظمة الاستبداد والشمولية على تغيبه وإبعاده عن فكرة وثقافة المقاومة ورفض الاستعمار، كل ذلك تم وفق آليات خبيثة عملت على تسويق ثقافة مشوهة لمجمل القضايا المصيرية للشعوب العربية والإسلامية، فقد تمكنت هذه الأنظمة ومن ورائها ترسانة من وسائل الإعلام المظلل والمأجور من تسويق هذه الثقافة عند قطاع هائل من أبناء الأمة، وكذا بنخب مهزوزة نفسياً وفكرياً وسلوكياً، لتتحول قضية الأمة المركزية، قضية ثانوية، بل وتشكل عبئاً على هذه الأنظمة، وهكذا تحول الكيان الصهيوني الاستيطاني المجرم، من عدو مغتصب إلى صديق للكثير من هذه الأنظمة العميلة.
غزة اليوم تعيد تشكيل وعينا بالقضية الفلسطينية، انطلاقاً من بطولات يسطرها أبناء المقاومة الأشاوس، غزة اليوم تريد أن تمحو أثر الخذلان فينا، كما أنها تريد أن تعيد الحياة للأمة من جديد، نعم إن أبناء غزة الأبطال يسطرون بطولات أدهشت أنظمة الاستبداد قبل نظام الكيان الصهيوني الغاشم ومن ورائه الاستعمار الغربي الخبيث الذي زرع هذا الكيان النشاز في جسد هذه الأمة، نعم لقد فاجأت المقاومة الإسلامية في غزة الأنظمة العربية، لأن هذه الأنظمة راهنت على ما تقوم به إسرائيل من عدوان غاشم على غزة، فهي تكره حماس والجهاد وجميع فصائل المقاومة، وليس لهم من وسيلة إلا التحالف مع الكيان الصهيوني للقضاء على المقاومة التي أصبحت تزعج هذه الأنظمة أكثر من إسرائيل.
وإذا تتبعنا الأحداث قبل وقوعها، نجد أن الأمر يتكرر، فـ” الحرب الإسرائيلية الحالية على حماس في غزة” تشبه “من حيث بعدها الإقليمي حرب 2008، حين أعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني تلك الحرب من القاهرة، وهي بجوار نظيرها المصري، محمد أبو الغيط، وهو ما تكرّر هذه المرة. فقد اندلع العدوان الإسرائيلي مساء الاثنين 7 تموز/ يوليو، بُعيد ساعات فقط من مغادرة وزير الاستخبارات المصرية، محمد التهامي، تل أبيب. ولا تبدو مصر متحمسةً حالياً، للتوسط لوقف إطلاق النار، لأنها تشارك إسرائيل أهدافها في تدفيع قطاع غزة ثمنًا أعلى، ولأنها تعرف أنه سيكون لحماس مطالب تتعلق بتعامل مصر معها أيضا. ولذلك، توجه طلبات التهدئة من الولايات المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة إلى حماس عبر قطر”.
وإذا قلنا إن مصر تشارك في الحرب ضد غزة، فإن بعض أنظمة الخليج تقف هي الأخرى داعمة لهذه الحرب، لأنها تخدم توجهاتها السياسية القاضية بمحاربة ما يسمى بالإرهاب الديني، طبعا جماعة الإخوان في مقدم هذه الجماعات الإرهابية التي تحاربها هذه الأنظمة الاستبدادية العميلة، وحماس التي تقود المقاومة في غزة تنتمي إلى هذه الحركة الإصلاحية الكبيرة، لذا اختارت هذه الأنظمة أن تكون في صف العدو الصهيوني، ضد إخوانهم من أبناء فلسطين، لكن بسالة المقاومة الفلسطينية -رغم كثافة القصف والعدوان السافر- أجبرت هذا الكيان على المراجعة، ودفعت بالدول الداعمة له إلى البحث عن صيغة لإنهاء هذا العدوان، الذي قررت إسرائيل أن تقوم به على قطاع غزة المحاصر منذ سنوات، فقد قام هذا العدو الغاشم بما يقرب من مائتي غارة جوية خلال أول يوم للهجوم دمر فيه كثيراً من المنازل والبنى التحتية في القطاع المحاصر، وقتل وجرح مئات من الفلسطينيين العزل، كل ذلك والمجتمع الدولي يلتزم الصمت حيال هذا العدوان، ولما ردت المقاومة ردها المزلزل العنيف، قامت الولايات المتحدة بالمطالبة -عن طريق قطر- بتوقيف سلسلة العمليات الهجومية التي نفذها أحفاد عمر وصلاح الدين و القسام، فقد “انهالت صواريخ المقاومة على عمق مدن إسرائيل تل أبيب والقدس وحيفا وكريات ملاخي وعسقلان وبئر السبع وغيرها بشكل أصاب إسرائيل بالصدمة وشل الحركة في مطاراتها لأول مرة منذ حرب أكتوبر عام 1973 كما عطلت المدارس وكافة المصالح ولجأ معظم الإسرائيليين للملاجئ ودخلت الحكومة الإسرائيلية في مرحلة من التخبط وانعدام الثقة بينها وبين الشعب الإسرائيلي لاسيما بعد نجاح المقاومة في اختراق واحدة من أكبر القواعد العسكرية الإسرائيلية وهي قاعدة زيكيم المحصنة من البحر مما ينهي أسطورة التفوق النوعي الإسرائيلي في الحماية الالكترونية والعسكرية حيث لم تفصح إسرائيل عن خسائرها جراء هجوم خمسة من كتائب القسام على القاعدة واكتفت بأنها صدت الهجوم المباغت، فلم تكن إسرائيل تتوقع أن القطاع المحاصر من إسرائيل والعرب منذ عدة سنوات يمكن أن يقوم المقاومون فيه بتطوير قدراتهم الصاروخية والقتالية بشكل أذهل وشل الدولة العبرية التي تعتبر واحدة من أكبر دول العالم في التقدم التكنولوجي والعسكري، فقد عاش الإسرائيليون أهوال الخوف التي يعيش فيها الفلسطينيون منذ عقود”.
بهذا تعيد غزة الروح لجسد هذه الأمة، التي أفقدتها أنظمة الاستبداد والتبعية لبها وأوهنت همتها، وقعدت دون طموح شعوبها في الحرية والاستقلال والتخلص من التبعية للاستعمار الغربي الغاشم، وهي اليوم تضع خطواتنا الأولى نحو النهوض من جديد، لأنها كسرت القاعدة، فالمقاومة لم تعد وظيفة الأنظمة العربية التي ضيعت فلسطين وشوهت رمزيتها، هذه البداية قاعدتها -إن شاء الله- غزة وليس نهايتها الشام والعراق؛ لأن جسد الأمة واحدة ومشروع النهوض واحد، فاللهم انصر غزة وأهلها ورجالها الأبطال الأشاوس، واخزي عدو الأمة الكيان الصهيوني الغاشم، واخذل أنظمة الاستبداد والشمولية، اللهم أمين.