كان للمسجد عبر مختلف مراحل الحضارة الإسلامية دور بارز على المستوى الاجتماعي الثقافي والسياسي وحتى الاقتصادي، وقد يقبل الناس أن يكون للمسجد دور اجتماعي لكنهم قد يتعجبون أو يرفضون عندما يسمعون بالدور الاقتصادي للمسجد وهذا الذي غاب أو غيّب في مراحل متأخرة من تاريخ المسجد.
فبالنسبة للدور الاجتماعي للمسجد فهذا قد يكون في مجالات مختلفة، حيث يمكن للمسجد أن يسهم في تخفيف أعباء الزواج على العرسان الذين وصلوا إلى مرحلة متأخرة في الزواج فيكون المسجد المنقذ لهؤلاء العرسان بحثّ المصلين على التكافل والتضامن للمساهمة في تيسير زواج العرسان.
ويمكن للمسجد أن يتكفل بعدد من الأرامل والأيتام والمطلقات ممن ليس لهم عائل فيوفر لهم المواد الأساسية التي يحتاجونها في حياتهم، حتى لا تضطر المرأة أرملة كانت أم مطلقة لإهمال بيتها وأبنائها والخروج للبحث عن لقمة العيش التي أصبحت في وقتنا صعبة على الرجال ما بالك على المرأة التي تساوم في شرفها للحصول على عمل، بل أن منهن من أهملت تربية أبنائها فأنتجت أعداء للمجتمع، فيمكن للمسجد أن يعينهن على تحمل جزء من الأعباء الملقاة على عاتقهن وتمكينهن من الوسائل الأساسية للحياة الكريمة.
كما يمكن للمسجد أن يكون تلك الأداة التي تسهم في تعليم أبناء المجتمع سواء أكان التعليم دينيا أم كان في مجالات التكوين المدرسي، وهذا بتوفير معلمين متطوعين يسهمون في رفع مستوى التحصيل العلمي لأبناء الفقراء والمساكين وعامة الناس، فيكون المسجد عونا لهم لرفع مستوى تعليمهم وربطهم بدين الله حتى لا يضيعوا في متاهات الحياة، وقد ثبت بالتجربة أن من كانت تربيته مرتبطة بالمسجد كان أبعد عن الانحراف والانجراف إلى هاوية الضياع الاجتماعي.
ويمكن للمسجد أن يلعب دورا هاما في تحسيس المجتمع بخطورة الآفات الاجتماعية المختلفة، كالخمر والمخدرات والمهلوسات، وذلك بحملات تحسيسية قوية يمكن أن تؤتي ثمارها إذا جمعت بين العلم والدين، فيكون الطبيب المتخصص الذي يبين تلك الآثار الطبية الخطيرة التي تهلك المدمنين، ويكون المتخصص في علوم الشريعة الموضح للجوانب الشرعية والحكم التي أرادها الشرع من تحريم هذه المواد المدمرة لعقل الإنسان وللمجتمع.
ويمكن للمسجد أيضاً أن يكون أداة فعالة في الإصلاح بين الناس وإطفاء نار الفتن العائلية التي دمرت المجتمع وفككت الأسر وجعلت العائلة في مجتمعنا مهددة بالزوال، بعد أن كانت تسهم بشكل كبير في تماسك المجتمع وتحصينه، فيكون في المسجد خلية الاستماع والإصلاح بين المتخاصمين كي لا يضطر الناس للجوء إلى العدالة التي من العادلة أن يخرج المتخاصمان منها أعداء لا إخوانا.
أما الجوانب الاقتصادية التي يمكن للمسجد أن يسهم بها، فهي ذات أبعاد اجتماعية، فيمكن للمسجد أن تكون به خلية لإرشاد التجار إلى فقه المعاملات الإسلامية في المال والتجارة والاقتصاد بشكل عام، وبهذا الشكل يسهم المسجد في إصلاح السوق الذي تميز عندنا بالربا، والغش، والتدليس، والغرر، وبهذا الشكل يعي التاجر أهمية الجوانب الاقتصادية في حياة الأمة فتتحسن العلاقات التجارية بين الناس وتقل تلك الآفات السوقية الخطيرة التي كانت سببا في تدمير دول بأجمعها.
كما يمكن للمسجد أن يكون واسطة خير في انتقاء أرقى النماذج العمالية والموظفين ليشغلوا مناصب معتبرة في المؤسسات الاقتصادية التي تحتاج نماذج راقية في الإدارة.
وللمسجد دور في محاربة الفساد والرشوة المنتشرة في مختلف الإدارات مع نماذج شاذة ممن تقلدوا المناصب وخربوا حياة الناس (رجال أعمال ومواطنين عاديين)، وهذا من خلال الدروس والمحاضرات والخطب المنبرية والندوات واللقاءات العلمية المتخصصة.
كما يمكن للمسجد أن يلعب دورا هاما في إنشاء مجالس رجال أعمال المدينة، وذلك بتنظيم لقاءات تعارف وتعاون بين الصالحين من رجال الأعمال ممن لديهم سمعة طيبة، فيسهمون في تطوير اقتصاد المدينة من جانب واستحداث مشاريع رسالية تخدم الأمة من جانب آخر.
يضاف إلى ما سبق تلك الجوانب التسويقية التي يسهم من خلالها المسجد في الترويج لفكرة تنظيم الزكاة والوقف، وحث الأغنياء على إخراج زكاة أموالهم وتعليمهم الطرق الصحيحة والسليمة التي من خلالها يمكن ترقية تنظيم الزكاة جمعا وتوزيعا واستثمارا.
كما يمكن للمسجد أن يستقطب أوقافا جديدة ذات بعد اقتصادي تنمى وتستثمر بما يتوافق وحاجات المجتمع.
إن المسجد لم يكن أبدا مسجدا للعبادة و الصلاة فقط وإنما كان يرفع الغبن عن الناس. فما أحوجنا إلى مساجد حضارية رسالية تسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للأمة.