سيقول الناس، ما للجمعية، والرياضة، وكأس العالم، والفريق الوطني، والبرازيل الخ، فمنطق الرياضة أن لا منطق لها، ولسان الرياضة أعجمي، ومذهبها سفسطائي، البقاء فيها للأقوى والأذكى، والأكثر روغانا، في حين أن منطق الجمعية ديني، وطني، ولسانها عربي مبين، ومذهبها أصولي، البقاء فيه للأصلح، والأقوم والأثْبت.
إن اهتمام الجمعية بالرياضة، وبالفريق الوطني الجزائري، وتصفيات كأس العالم، إن هذا الاهتمام تمليه مجموعة من الدوافع تصب كلها في منطق منهجها الوطني، الإصلاحي، التغييري، الباني للإنسان وللمجتمع.
فعناية الجمعية بالرياضة، ورثته كابرا عن كابر، منذ عهد مؤسسها الإمام عبد الحميد بن باديس المؤسس لمولودية قسنطينة الـ MOC، في إطار عنايته بالصحة البدنية والصحة العقلية للشباب، على اعتبار أن النشء هو رجاء الأمة، وهو صانع فجرها، وصباحها، ومرورا برئيس الجمعية الآخر الشيخ أحمد حماني المجسد لهذا الاهتمام، بارتياده للملاعب، وصاحب فتوى إفطار لاعبي الفريق الوطني في تصفيات 1982، ولا نعرف أحداً من رؤساء الجمعية، لم يهتم بالشباب ولا بالرياضة… وإذن فإن اهتمام الجمعية بالرياضة ليس بدعا من السلوك في منهج الجمعية.
كما ينبع اهتمام الجمعية بالفريق الوطني الجزائري، وبالرغم مما قد يعاب على هذا الفريق في مظهره ومخبره، من أنه استطاع أن يوحد باللعب كل الجزائريين على اختلاف نحلهم، وأعمارهم، وإيديولوجياتهم، في حين عجزت الأحزاب، والمنظمات، والهيآت، والمؤسسات، بسياساتها وشعاراتها ودساتيرها، عجزت عن توحيد مشاعر الجزائريين على نغمة وطنية واحدة، وعلم وطني واحد.. فهذه القوة الضاربة والفاعلة في الساحة الوطنية تستحق من الجميع وقفة إجلال وتبجيل لهذا الموقف النبيل، الذي ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾.
لقد فرضت الرياضة والفريق الوطني على الجمعية هذه العناية، بحكم العامل الوطني الذي يجسده الفريق الوطني، إلى الحد الذي انتحر فيه البعض لهزيمته، ومات البعض الآخر لانتصاره، وترك آخرون صلاة الجماعة من أجل مقابلته.. فكيف والحالة هذه لا تولي جمعية العلماء، كل هذا الاهتمام للرياضة وللفريق الوطني، انطلاقا من هذه المعطيات كلها، لتصحيح المفاهيم، وتقويم المواقف.
فإذا ربطنا هذا الفريق الوطني، بمباراة كأس العالم، حيث تسوَدّ وجوه، وتبيَضّ وجوه، فقد اسوَدّت وجوه لاعبي دول عظمى، عريقة في الرياضة وفي منافسات كأس العالم، كإسبانيا، وإيطاليا، وبريطانيا، وروسيا، وغيرها، في حين ابيَضّت وجوه أبناء الفريق الوطني الجزائري، ومن خلاله وجوه كل الجزائريين، في مواجهات دول عتيدة كبلجيكا، وكوريا، وألمانيا، فاستحق لاعبوه بذلك إعجاب العالم العربي والإسلامي، وكل الرياضيين النزهاء في العالم.
لقد كان الدور الذي اضطلع به فريقنا الوطني، هو دور ريادي، إذ اعتبر نفسه، لا ممثلا للجزائر وحدها، ولكن ممثلا لكل العرب والمسلمين، في تحد كبير، جلب له الاستجابة الجماعية لكل العرب والمسلمين، فدوى صوت انتصاره لدى المستضعفين، في العالم العربي، خصوصا في غزة، وفي الصحراء الغربية.
من هنا –إذن- كانت هذه الوقفة التأملية الدقيقة التي نقفها مع الفريق الوطني الرياضي الجزائري، بعد أن زودناه بالمال، وسلّحناه بالعزم، ودرّبناه بالحزم والجزم، فكان نعم السفير لبلده وأمته.
ولكن هل يشفع لنا هذا في عنايتنا بالفريق بما يمثله من مظهر، ومخبر، في أن يكون الحصان الرابح الذي نراهن عليه مستقبلا، في الاستحقاقات الرياضية القادمة؟
إننا نقول، وبدافع من الحب للوطن، والإنصاف للفريق الوطني، بأن فريقنا، على ما تحلى به من لباقة، ومن شجاعة ونجاعة، لا يزال في حاجة إلى عناية أكثر، وإلى تربية أفضل، وإلى انتماء أعمق. فإذا كنا نؤمن بأن كل جزائري، أينما ولد، ومن أية فئة جاء، هو ابن هذا الوطن المفدى، يبذل في سبيله المهجة والبهجة، والنفس والنفيس، كما فعل أبناء فريقنا الحالي والسابق، ولكن الأمل معقود في أن تتكفل الجزائر، بإيجاد فريق وطني ينشأ بين أحضانها، ويتغذى بألبانها، ويستنشق هواء ملاعبها، ويتدثر بأصوات جماهيرها. إن هذا الفريق المنشود، الذي ينشأ في حضن الجزائر المتنوعة الأعراق والأقاليم، والذي يكون دائما تحت تصرف الوطن، هو الذي ينبغي أن نعمل على تكوينه، والزج به في المنافسات الدولية القادمة وما أكثرها، وسيكون أكثر انسجاما، وأشد فعالية، وذلك هو الفريق المثالي الطامح الذي تتطلع جزائرنا إلى تحقيقه.
كما أن من الواجب على القائمين على فريقنا الوطني، أن يهتموا بسلوكه، وتربيته، وأخلاقه، ووطنيته، كي يكون الرائد الذي لا يكذب أهله، والقائد الذي لا يخون جنده.
في ضوء هذه المعطيات كلها، يجب أن نضع المقابلات التي دخلها فريقنا في كأس العالم، وخرج منها منتصراً، حتى ولو أنه أقصى من كأس العالم. إنه بالرغم من بعض السلبيات التي شانت وجه الفريق، في هجومه، ودفاعه معا، وبعض الاضطرابات التي سادت أداءه في مختلف المقابلات، نتيجة عدم الانسجام بين لاعبيه في ساحة اللعب، وبسبب ضعف اللياقة البدنية، التي غالبا ما كانت تلقي بظلالها على مردودهم من بداية الشوط الثاني، إنه بالرغم من كل ذلك فإن فريقنا الوطني، قد انتصر ماديا ومعنويا، ويمكن القول، ونحن نحتفل، بالذكرى الثانية والخمسين لاستعادة استقلالنا الوطني، حيث تمتزج طبول النصر السياسي والرياضي، بالانتصار الرياضي الأصغر، والانتصار الوطني الأكبر، يجب أن لا يغيب عن عقولنا وأعيننا، أن انتصارنا في ساحة اللعب، لا ينبغي أن يخفي إخفاقنا في ساحات الجد.
حقا لقد حققنا في عهد الاستقلال الوطني مزيداً من الإنجازات، في البناء والتشييد، ولكن هذه الإنجازات ستظل انتصاراً، ولو، أنه أقل من الإمكانيات المتوفرة ماديا وبشريا لوطننا.
وأن الانتصار الرياضي في تصفيات العالم، هو انتصار معنوي كبير للجزائر، ولكنه كان يمكن أن يكون انتصاراً أكمل وأجمل، لو استغلت كل الطاقات وأحسن تفعيل كل الإمكانات،.. ويبقى مع ذلك ما تحقق هو انتصار، حتى.. ولو…