ـ الإقليم وهو المكان من الأرض الذي يقطن فيه المواطنون (الشعب).
ـ الشعب وهم القوم الذين يؤلفون الوحدة الوطنية للدولة، الذين يجمعهم الدين واللغة والقانون في ظل العدل والمساواة.
ـ السلطة التي تتولى تسيير شئون الدولة (هيئة الحكم).
ـ المؤسسات العامة التي تؤلف وحدة الشعب وتحقق المصالح العامة.
ولكل ركن يجب أن تكون له خريطة بيانية محكمة، الخريطة السياسية للإقليم، ومنها بيان التقسيم الإداري للولايات أو المحافظات، وخريطة الهوية للشعب كالدين واللغة والتشريع، وخريطة النظام السياسي للحكم، والخريطة الفنية الإدارية والاجتماعية للمرافق والمؤسسات العامة، كمؤسسة القاضي الأول، والمفتي العام، والمجلس الشوري.
أولا:التنظيم الإداري والسياسي للإقليم: أو الخريطة الإدارية والسياسية لإقليم الدولة. وأهم ما يبين فيها بعد الحدود الدولية للإقليم بكل دقة وتفصيل ووضوح بجدار معلمي بارز على كل الحدود مع الدول المجاورة، يبين كذلك على الخريطة السياسية الإدارية للإقليم حدود الولايات أو المحافظات بمراعاة خمسة أسس، وهي: المساحة، والموقع الاستراتيجي للطرقات والمواصلات، ومصادر العيش، والكفاءات المسيرة، والحاجات المطلوبة إداري وسياسيا. أما اعتبار عدد السكان فيأتي في الأخير…
فالتنظيم الإداري والسياسي للإقليم يعني تنظيم مكان من الأرض وتهيئته وإعداده سياسياً وإدارياً واقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا لتسكنه مجموعة من النّاس…إذ الإقليم منزل ينزل فيه الناس، وليس غطاء يُقَسَّم على الناس بحسب عددهم..
من العوامل المدنية المسهلة للحياة، والمحققة للأمن والاستقرار، والتي تعد من الضروريات: تنظيم المدن بمسافات مدروسة، وبشبكة طرق مناسبة مواتية. قال الله تعالى:{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِيبَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ}(سورة سبأ:18).
تدبروا كيف أن الله تعالى يذكر لنا مَا مَنَّ به على أولئك الذين كانوا يسيرون من اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة. ومعنى (قرى ظاهرة متواصلة) يعني التنظيم من حيث التقسيم الولائي للولايات والبلديات وإقامة المدن والقرى وفق دراسة كافية، وعلى مسافات مناسبة عبر كل الإقليم، ولا يصح من حيث قواعد العمران أن تتراكم القرى والمدن في جهة وتخلى جهات.
ولذلك عاتب الله تعالى الذين قالوا:{رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} بل عاقبهم عقابا شديدا لسببين، لعدم حمد ربهم على نعمة الأرض الطيبة والقرى المنتظمة، والسبب الثاني لعدم استثمار الإقليم والتهاون في عمارته.
فوجب وضع خريطة مفصلة للإقليم يبين فيها: شبكة الطرق الوطنية الكبرى وفق تخطيط هندسي كامل الدقة والشمول لأرجاء الإقليم بحسابات وافية، تحدد بالأرقام المرتبة، وتقاطع الطرق المضبوطة في نقط استراتيجية محسوبة مقدرة..والمطارات ومحطات السكك الحديدية، وغير ذلك…
ويقسم الإقليم إلى ولايات بنسب تتقارب من التساوي في المساحة ويراعى فيها: العدالة في المزايا الجغرافية والمنافع الاقتصادية..كأن يقسم إقليم التراب الجزائري إلى (70) ولاية مثلاً، على أن يمس التقسيم الولائي الهضاب العليا والجنوب فقط، أما ولايات الشمال فتبقى على التقسيم الحالي، وتقسم كل ولاية إلى بلديات فقط.. وعلى أن عاصمة الدولة تكون هي المدينة المحورية وسط الإقليم. مع إقامة مدن على حدود الدولة من كل جهة، من الجهات الأربع (شرقا، وغربا، وجنوبا، وشمالا) حسب مسافة الشريط الحدودي ومساحة الإقليم. وأن يربط بين هذه المدن الحدودية طريق يمر عبر حد الحدود، تتخلله قلاع المراقبة والاتصالات المادية المباشرة والتموين والإمدادات، بحيث يكون بمثابة السياج الحسي والمعنوي للإقليم الوطن…
ويتطلب تنظيم الإقليم بعض الأمور الهامة، بل ولأجلها يكون التنظيم والتسطير الإداري والسياسي العمراني.
أولا: الضروريات التي تُراعى عند تنظيم الإقليم بأن توفر لكل مواطن، وهي أولاً: الطريق العام الصالح المؤدي إلى كل جهات الوطن، لضمان المواصلات والاتصالات.. ثانياً: الماء الكافي الصالح للشرب لكل مواطن..ثالثاً: وسائل الطاقة كالغاز والكهرباء.. رابعاً: المؤسسات الحيوية كالمدرسة والمستشفى والسوق..خامساً: مصدر العيش على الأرض أو الوظيفة.. سادساً: وسائل الاتصال المعاصرة. قال الله تعالى:{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ . وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ . فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}(سورة القصص:22ـ24).
محل الشاهد من هذه الآيات هو أن موسى عليه السلام خرج من مصر إلى مدين خائفا يترقب وهو يدعو الله أن ينجيه من ظلم فرعون، فهو عليه السلام كان حينها يعاني تعبا ونصبا وهموما، بسبب ظلم الظالمين..ومن جهة أخرى فإن المرأتين اللتين وجدهما وكل من كان كحالهما من الضعفاء الفقراء يعانون تعبا وهُمُومًا بسبب عدم العدالة في نيل حقهم من ضروريات العيش كالماء، وباقي الحاجيات..
فالتنظيم الإقليمي يهدف إلى استراتيجية شاملة لخدمة المواطنين، لذلك قلنا في عنوان الموضوع: المواطنة والتنظيم الإداري والسياسي للإقليم…
ثانيا:ويراعى في تنظيم الإقليم حسن بناء المدن وتحصينها للأجيال اللاحقة. قال الله تعالى:{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}(سورة الكهف:82).
من بين أسباب قوة الدولة ودوامها: الاستمرار في تطوير وتجديد المدينة، بحسن بناء المدن الحضارية، حسا ومعنى…
ثالثا: بناء المنشآت والمدن في المكان المناسب بالتخطيط العلمي، والحكمة والخبرة. من حيث حسن التصرف في الأراضي فلا يصح شرعا ولا علما ولا منطقا أن تقام المدن على الأراضي الصالحة للزراعة، والأراضي الصالحة للبناء تترك وتهمل لا هي تستعمل لما سخرها الله تعالى، ولا هي صالحة للزراعة…ويُعد توسيع الأحياء السكنية وبناء المدن على الأراضي الفلاحية من التبذير وسوء التدبير. وكم هي الشعوب التي كانت تصدر الحبوب والفواكه فصارت تستوردها لأسباب كثيرة منها استهلاك الأراضي الصالحة للزراعة لغير مقاصدها…كما هو الحال في الجزائر، إذ يجب أن تتوسع المدن والقرى في الهضاب العليا، والجنوب، والسفوح المناسبة، وتحفظ السهول الخصبة كمورد للعيش…فما لهؤلاء القوم لا يوظفون قواعد الاقتصاد خدمة للبلاد ونفع العباد، وذلك وفق مبدأ التنمية المستدامة…إن الأجيال اللاحقة في المستقبل من أحفاد أحفادنا إلى أن يشاء الله تعالى من حقها أن نحفظ لها نصيبها من الأرض والثروات وأنواع الاستثمارات…
فلا ينبغي أن نتصرف في أراضي وخيرات الوطن بأنانية وننسى المستقبل..تذكر:{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِوَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}.
رابعا: كما أن تنظيم الإقليم يقتضي توزيع السكان بالتوازن عبر كل مناطق التراب الوطني، لا أن يتجمع السكان في جهة من الإقليم وتترك باقي الربوع خالية، كما هو الحال في التراب الجزائري أغلب السكان يقطنون في الشمال على الشريط الساحلي وباقي مناطق التراب الوطني وخاصة الجنوب مهجورة في كثير من الربوع، مع أن كل جهات الإقليم على الإطلاق صالحة للسكن والصناعة وسائر المرافق، والحياة العادية…
خامسا: الموقع المناسب للعاصمة. وبالنسبة للإقليم الجزائري يحسن بل من الأنسب والأصوب أن تكون العاصمة بوسط البلاد…
سادسا: خريطة الطرق المحورية الكبرى.فتقترح الشبكة التالية: الطريق المحوري الوسطي شمال جنوب من وسط الحدود الشمالية إلى وسط الحدود الجنوبية، وطريق محوري شرق غرب يربط ولاية عين أم الناس شرقا وولاية تندوف غربا، وطريق وطني يربط ولاية جنات شرقا، وولاية برج باجي مختار في الجنوب الغربي.وطريق وطني بين ولاية الدبداب شرقا، وولاية بشار غربا، وطريق وطني شمال جنوب يربط ولاية بشار، وولاية برج باجي مختار…وطريق وطني يمر عبر حدود الإقليم كله، لتكون كل مناطق الحدود الشرقية والغربية والجنوبية مأهولة ميسورة الاتصال بطريقة عادية كجهة الشمال…
سابعا: أن يكون التوسع السكاني في المساحات الكافية: بحيث يكون إنشاء القرى والمدن في المساحات الشاغرة من الإقليم في وسط وجنوب البلاد.