في كل مرة نصدم في بلادنا بتصريحات لمسئولين أقل ما يقال عنهم أنهم غرباء عن مجتمعهم ومتنصلون من عاداته وتقاليده وأحيانا تشك إن كانوا يدينون بدينه، نتيجة الجرم الذي يقترفونه ضد هذه الأمة المسكينة المغلوب على أمرها، والتي تخفي بركانا من الغضب لو ينفجر لجرف عددا من الجهلة ممن استأمنتهم الدولة على قطاعات هامة كان يفترض أن تكون قطاعات لديها قيمة مضافة عوض أن تكون قطاعات لا تزيد حياتنا الاقتصادية والاجتماعية إلا ضياعا.
أقول هذا وأنا ما زلت أعاني من أثر الصدمة التي تعرضت لها حين قرأت عن وزارة التجارة التي صرح زعيمها أنه ينوي إعادة الاعتبار للمخمرات والورشات المتخصصة في إنتاج الخمور وإعطائها رخصا لممارسة نشاطها بشكل قانوني، وبرر ذلك أن هذا من متطلبات الانضمام إلى المنظمة المشئومة المسماة منظمة التجارة العالمية علما أن من بين الدول التي انضمت إلى هذه المنظمة نجد المملكة العربية السعودية والكل يعلم أن إنتاج وتسويق الخمور في هذا البلد المسلم ممنوع بقوة القانون فهل فرضت هذه المنظمة على المملكة فتح المخمرات ومصانع إنتاج الخمر وتسويقه واستيراده لتحصل على رخصة الانضمام؟
إن مثل هؤلاء الناس هم الذين ورطوا البلد من قبل مع صندوق النقد الدولي بمبررات واهية في بلد يفترض أنه من أغنى بلدان العالم، فإذا بنا نجد من يستغبينا بمبررات واهية وكأننا سنموت جوعا إذا لم ننضم إلى هذه المنظمة المشئومة، بل الأعجب والأغرب هو الانضمام المشروط بتسويق منتوجات حطمت تركيبة المجتمعات التي سوقتها وقننت لها، فهل يعقل لبلد الشهداء أن يترك هذا المسئول يفعل ما يشاء، أين هم ممثلوا هذه الأمة في مجلس الأمة وفي المجلس الشعبي الوطني، كيف يسمح له بأن يتجرأ على شعبه ويرخص لكبيرة من الكبائر التي كانت ولا تزال سببا في العديد من الجرائم، وزيادة نسب الطلاق وتفكيك الأسرة الجزائرية، وحوادث المرور القاتلة، عمليات القتل والسطو، وكل شيء سيء في بلادنا كان ولا يزال سببا فيها.
لكن لماذا نتعجب ونحن نرى ونسمع في كل وقت خرجات هؤلاء الذين تنصلوا وتنكروا لأمتهم، لكنني أطرح عليهم سؤالا: هل في حملاتكم الانتخابية التي كنتم تنشطونها قلتهم لشعبكم أنكم سترخّصون للمخمرات ومصانع إنتاج الخمر؟ هل يمكن لهذا المسئول أن يأتي في نشرة الثامنة بالقناة الأولى ويقول على المباشر أنه سيرخص لفتح المخمرات ومصانع إنتاج الخمر؟
ليست لديهم الجرأة على أن يفعلوا ذلك، لأن شعبهم سيكون ضدهم، هذا إذا لم تخرج المسيرات المناهضة لهؤلاء المتطرفين الذين تفننوا في تمرير قوانين وإصدار تعليمات تخالف دين هذا الشعب وعاداته وتقاليده، ولكن لا أتعجب عندما أجد أن منهم من يحمل جواز سفر أحمر إلى جانب جواز سفره الأخضر فمثله نسي أن هذا البلد هو بلد الإسلام، وأن فرنسا الاستدمارية بقيت 132 سنة وهي تحاول صدّ هذا الشعب عن دينه ولم يوفقها الله، فنسأل الله أن لا يوفقه في مسعاه الاجرامي على المجتمع والاقتصاد الوطني.
وسبحان الله لماذا لم يفكر هذا المسئول في ترقية التجارة، والأسواق الشعبية، وإعادة الاعتبار للمنتوج الوطني، وتقديم التحفيزات والامتيازات للتجار الصادقين، وعقد الاتفاقات المحلية والدولية الداعمة لتنافسية المؤسسات التجارية والانتاجية المحلية، وترقية التجارة الالكترونية، والتسويق الالكتروني، وأدوات الدفع في المحلات التجارية بالتنسيق مع بنك الجزائر، ومحاربة السلع المغشوشة والمسرطنة، وترقية التجارة الدولية، وتمكين مؤسساتنا الصغيرة والمتوسطة من التسويق الدولي واختراق أسواق عالمية.
لكنه لم يجد إلا المخمرات التي يحاول من خلالها إرضاء فئة معينة في المجتمع، ممن لا تزال تنظر إلى شعبها بنظرة (الغاشي) الذي يمكن أن تمرر معه ما شئت من برامج، خاصة وأن الناس هذه الأيام في غفلة شديدة مع مباريات كانت المخدر المناسب ليكون الوقت مناسبا لمثل هؤلاء الناس لضرب ضربتهم والترخيص للمخمرات وورشات ومصانع إنتاج الخمر.
وكأننا فعلنا كل شيء لتطوير تجارتنا وبقيت لبنة واحدة ليكتمل بنيانها فكانت الخمور هي الحل، وأتساءل لعل هذا المسئول من المدمنين على شرب الخمور ويريد أن يسير جميع الناس على هديه في غيِّه، وكأنه لم يتعلم ممن سبقوه، ممن حاربوا شعبنا في كل خصوصياته، لكن كانت نهايتهم آية لمن جاء بعدهم، يتّعض بها من كان له قلب.
إننا من خلال مقالنا هذا نناشد كل مخلص عاقل رشيد في هذه الدولة ومؤسساتها أن يضعوا حدا لهذا المسئول (اللامسئول)، فقد عانت الأمة من مخمرات مرخصة ومخمرات غير مرخصة، بل ومصانع رسمية وأخرى غير رسمية برزت في مرحلة معينة وتنبه رجال من رجالات الدولة لخطورتها وما ترتب عنها من إجرام دمر الأمة فوضعوا لها حدا وكان ملفها من الملفات المصفّاة، ونقص الشر الذي كان يأتي منها، وكنا ننتظر القضاء على ما تبقى فإذا بهذا المسئول يريد أن يرجعنا إلى نقطة الصفر.
الأعجب والأغرب أن في بلادنا يثبت على الشخص أنه لا يصلح لا للصحة ولا للبيئة ولا للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ثم نعطيه عصبا هاما في الاقتصاد ألا وهو التجارة ليبدأ من خلالها في تدمير تركيبة المجتمع بالترخيص للمخمرات ومصانع إنتاج الخمور، أليس هذا قمة الخبث وقمة الاحتقار للكفاءة في هذا البلد المسكين، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل.