مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
الحدث

ندوة الحريات و الانتقال الديمقراطي كلمة ألقاها أ/التهامي مجوري عضو المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين

00 كلمة ألقاها الأستاذ التهامي مجوري عضو المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في ندوة الحريات والانتقال الديمقراطي التي انعقدت يوم 10/06/2014م

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه

أيها الإخوة، أيتها الأخوات

مع حفظ الأسماء والمواقع والمراتب، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد

لا شك، أن من الناس من يتساءل، عن حضور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لمثل هذه المبادرة الوطنية، لمناقشة قضايا سياسية، ما موقعها في هذه المعادلة ؟ ما لها وللأحزاب؟ ما شأنها والسياسة؟.

وجوابا عن هذا التساؤل، وتوضيحا للموقف، ووضعه في سياقه الصحيح، المنسجم مع الحرص على كل ما هو مصلحة وطنية عليا، نقول إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ما كان لها أن تتخلف، عن مبادرة ترى فيها جدية وفاعلية وحرصا على المصالح العليا للأمة الجزائرية، ما دامت صادرة من جزائريين في جو من الشفافية، بقطع النظر عن أية جهة صدرت، ومن أي مشكاة خرجت، وبعيدا عن الدعوة إلى عصبية رعناء أو جهوية مقيتة ، أو مصالح ظرفية لا تخدم عموم الأمة.

فقد كانت جمعية العلماء التاريخية حاضرة، في المؤتمر الإسلامي الجامع سنة 1936، الذي يعد معنرجا هاما في تاريخ الجزائر، وكانت حاضرة وفاعلة في تأسيس الجبهة الوطنية للدفاع عن الحريات عام 1953، في المجلس الوطني في بداية استعادة السيادة الوطنية، وكانت حاضرة في بيان رئيسها الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في 16 أفريل 1964، عندما احتدم الصراع بين عصب السلطة، وكانت حاضرة في بيان نداء الأمة سنة 2004، الذي بادرت به نخبة من أبناء الجزائر، في أزمة “العروش” والسلطة،  وتبعها جمع غفير من أهل الفضل والخير والصلاح، وستبقى حاضرة في كل ما يجمع أبناء الجزائر ويحفظ مؤسساتها ، ويحقق أمنها الثقافي والاجتماعي الاستراتيجي.

وهي إذ تسجل حضورها هنا، بهذه المناسبة، لا تخفي تثمينها لكل فعل يريد النهوض بالبلاد، والتصدي للمزالق والمخاطر التي تتهددها، والاستجابة لتحديات الواقع الوطني والإقليمي والدولي…، وقد نبهت جمعية العلماء، في أكثر من مناسبة عبر بياناتها، إلى أهمية المرحلة، وخطورة المنزلقات التي تهدد البلاد، وأوضحت أن العالم اليوم، تعاد صياغته من جديد ويعاد بناؤه، ومن لم يساهم في بنائه لا يصلح أن يكون فيه إلا “خماسا”.

وإذا  كان الربع الأخير من القرن العشرين، قد شرع في بناء خريطة، عالم ما بعد الحرب الباردة، وما بعد الأيديولوجيا، فإن ما انصرم من سنوات القرن الحادي والعشرين، قد أشرف على وضع الصورة النهائية للقطب الأحادي الاستعماري المتجدد، والجزائر غائبة عن موقعها الريادي، منشغلة بمشكلاتها الداخلية التي لم تستطع التغلب عليها بالقدر اللازم.

وإذا كان باقي العالم العربي والإفريقي والآسيوي، يحق له أن يخوض تجربة التغيير، سواء بواسطة ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، أو بأي شكل آخر يراه مناسبا له، ويعذر فيما أخفق فيه،  فإن الجزائر لا يحق لها أن تخوض التجربة وتفشل فيها، كما لا يجوز لها الخطأ؛ لأنها دفعت الثمن غاليا، سواء في جهادها لاسترجاع سيادتها على أرضها، أو في جهادها الوطني، الذي لم ير الاستقرار الذي يستحقه الشعب المُثقل كاهله بالأزمات المتتالية، وآخرها فتنة التسعينيات، التي خرجنا منها الرابح فيها خاسرٌ.

أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفضليات

إن جمعية العلماء، لا تدّعي أنها طرف في هذه المبادرة، أو في غيرها مما تتداوله الساحة السياسية، سواء مبادرة السلطة لتعديل الدستور، أو مبادرة التنسيقية، أو مبادرة الشخصيات الوطنية التي أعلنت عن مواقف لها فيما يقع في البلاد اليوم وقبل اليوم، أو ما ستسفر عنه من آراء ومواقف أخرى لشرائح لها حضور في الساحة السياسية؛ وذلك ليس زهدا في الاهتمام بالشأن العام، وإنما لأنها ارتضت لنفسها النضال على جبهة أخرى، قد ينشغل عنها السياسي والإداري بل وعموم المجتمع المشدود إلى ضروريات حياته اليومية، وهي جبهة ذات علاقة مباشرة بالهوية والثوابت الوطنية، والعمق الحضاري للأمة، الذي يؤمّن الاستقلال الحقيقي ويحمي المجتمع من الاهتزازات وآثارها، وهي جبهة لا تقل أهمية عن النضال السياسي، بل هي من عمق هذا النضال السياسي الوطني العام، لأنها توفر له المناخ الفكري والنفسي والأخلاقي والاجتماعي الصحي، الذي يحميه من فيروسات “البوليتيك”، ويرتقي به إلى النضال السياسي الرسالي الفعال.

 وإلى جانب اهتمام جمعية العلماء بهذه الجبهة الحيوية من جبهات التجديد الوطني، فإنها تدعم وبقوة كل مبادرة جادة وشفافة وتوافقية وفعالة، تخدم الأمة في أبعادها الاجتماعية والثقافية والسياسية، الآجلة منها والعاجلة، وشعارها في ذلك قولة إمام الأمة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله ” الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء”، الذي ينبغي أن تتمعن فيه النخب السياسية الوطنية المتنوعة، وأن تضعها موضع التنفيذ في مبادراتها ومشاريعها التغييرية والإصلاحية. فطلب الحق والحقيقة، وخدمة المصالح العليا للوطن، ينبغي أن تكون هي الروح التي تسري في عمل الجميع .

(سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) [سورة الرعد/10]

إن مكانة الجزائر في الخارطة السياسية الدولية، لا تخفى على ذي بصيرة، فهي رقم هام في المغرب العربي، وهي المنافس القوي للمواقع الأولى على مستوى العالم العربي والإسلامي، وبلد بهذا المستوى، لا يحق له أن يرضى بما دون القيادة و الريادة .

والعالم لا يجهل هذه الحقيقة، ولكنه أيضا لا يعترف إلا بالأقوياء، فبلادنا بما هي عليه اليوم، غير مؤهلة لأن تأخذ موقعها في الخارطة، إن لم تتجاوز هذا الواقع المزري، فتكتسب القوة التي ينبغي أن تكون عليها الدول القوية، كما أن العالم اليوم، لا يسمح بوجود المجتمعات المهزوزة، والثقافات الهشة، والنظم العاجزة، ومن ثم فإن على الطبقة السياسية، في بلادنا، سواء التي في السلطة، أو التي هي في المعارضة، أن تعي ما ينتظرها من واجبات وطنية وإقليمية ودولية، في هذه الظروف الحرجة، وان تكثف من جهودها الجامعة، في سبيل بناء الدولة القوية، التي مهد لإقامتها العلماء، وجاهد من أجل تجسيدها المجاهدون، واستشهد من أجلها الشهداء، وناضل في سبيلها العاملون، والدولة القوية، لن تكون، إلا بوجود دولة العدل والقانون والحرية والكفاءة والشفافية، وبوجود معارضة سياسية جادة وفاعلة، ومجتمع مدني قوي وفعال، ومجتمع دعوي ثقافي تربوي رسالي رشيد، ومجتمع إعلامي موضوعي فعال، وعمق مجتمعي حيوي واع يراقب الجميع، ويضبط بوصلة السير في الاتجاه الصحيح.

لقد تأخرنا كثيرا في بعث هذه النوعية الوظيفية، التي تتكامل فيما بينها لمنح المجتمع الوطني شروط أمنه الثقافي والاجتماعي والحضاري ، وشروط فاعليته الإقليمية و الجهوية والدولية.

لم يبق أمامنا وقت نضيعه، ولا إمكانات وطنية نبذرها. إننا أمام وضع فاصل في تاريخنا الوطني، يحتاج إلى الإخلاص والصدق والجدية وروح المسئولية العالية .

 فليعمل الجميع سلطة ومعارضة، على بناء هذه النوعية الوظيفية المتكاملة، من أجل جزائر آمنة وقوية ومؤثرة في محيطها الإقليمي والدولي.

(وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة : 105]

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى