سأني “بهاء” أحد أحفادي، وهو طالب في كلية الصحافة له شغف قوي بإعجاز القرآن، ورغبة قوية في كل ما له اتصال بعلوم الطبيعة وما وراء المادة، سألني عن قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً}(النبأ:9) عما يمكن استجلاؤه من المعاني والأسرار، فأجبته بالمراد بالسبات ما يتحقق للنائم من نومه؛ من راحة البدن، وراحة الفكر، وراحة النفس، ومنه يوم السبت يوم الراحة، وقد قيل لبني إسرائيل: استريحوا في هذا اليوم فلا تعملوا فيه شيئا.
وفي تفسير الإمام الرازي وجوه لأهل العلم في هذا المقام، وها هي بإيجاز:
أولاها: قال الزجاج سباتا: موتا، والمسبوت الميت من السبت وهو القطع، لأن النائم مقطوع الحركة، ودليله أمران: أحدهما قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ}(الأنعام:60).
والثاني: أنه لما جعل النوم موتا جعل اليقظة معاشا، إلى حياة في قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً}(النبأ:11).
ثانيهما: قال الليث: السبات النوم، وقد طعن بعض الملاحدة في هذا التفسير حيث يصبح هكذا (وجعلنا نومكم نوما).
ثالثها: قال المبرد:{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} أي نوما خفيفا يمكنكم دفعه وقطعه، كأنه قيل: وجعلنا نومكم نوما دقيقا، ولم نجعله مستوليا عليكم، مستبدا بكم، وهو في هذه الحالة من الأمراض الشديدة.
ومما يناسب المقام ما روي عن سعيد بن جبير رضي الله عنه: “أن أرواح الأحياء وأرواح الأموات تلتقي في المنام، فيتعارف منها ما شاء الله أن يتعارف، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجسادها إلى انقضاء مدة حياتها”.
ويناسب المقام أيضا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “إن في ابن آدم نفسا وروحا، بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس التي بها العقل والتمييز، والروح التي بها النفس والحياة، فتتوفيان عند الموت، وتوفى النفس وحدها عند النوم”.
ويقول علي رضي الله عنه أيضا: “تخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعها في الجسد فبذلك يرى الرؤيا، فإذا انتبه من النوم عاد الروح إلى جسده بأسرع من لحظة”.
ومرد هذه الأقوال على اختلافها في بعض الألفاظ إلى قوله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الزمر:42).