ما زال المرسوم الوزاري المشترك الخاص بالنظام التقني المحدد للقواعد المتعلقة بالمواد الغذائية الحاملة للعلامة “حلال” يثير الاستغراب والجدل والاعتراض وخصوصا المادة الخامسة منه والتي تنص على شرط التدويخ حيث جاء فيها: “قصد تسهيل التذكية حسب الدين الإسلامي يمكن استعمال التدويخ شريطة ألا يؤدي إلى موت الحيوان”.
وللتذكير فإن القرار الوزاري المشترك المؤرخ في 15جمادى الأولى 1435هـ الموافق 17مارس2014، قد دخل حيز التنفيذ بمجرد صدوره في العدد 15 من الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ17 جمادى الأولى الموافق 19مارس2014.
وبعد مرور أكثر من شهرين على صدور المرسوم أصدرت لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية فتوى نشرتها على الموقع الرسمي للوزارة بتاريخ 20 ماي 2014 تبيح استعمال التدويخ أو الصعق للحيوانات قبل ذبحها شريطة ألا يؤدي الصعق إلى وفاتها.
هذه الفتوى الشاذة كان حتى وزير الشؤون الدينية والأوقاف السابق أبو عبد الله غلام الله قد تبرأ منها، إذ عندما سئل عما إذا كان المرسوم الخاص بتدويخ الحيوانات قبل ذبحها لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية أجاب قائلا: “اسألوا لجنة الفتوى في قناة القرآن، الوزارة غير معنية بالفتوى وهي معنية بالأمور الإدارية والتقنية وأنا لا أستطيع إعطاء الحكم الشرعي في هذه القضية، ولكن الطريقة التي تبنتها السلطات الجزائرية مؤخرا معمول بها في العديد من الدول الإسلامية وبالتالي فهي حلال ما دام فقهاء الجزائر قد أصدروا فتوى بشأنها”.
ولا ندري من هم فقهاء الجزائر الذين يقصدهم الوزير السابق غلام الله ما دام ممثلو الهيئات والجمعيات الإسلامية المعروفة والعديد من الأئمة والفقهاء قد أفتوا بعدم جواز طريقة التدويخ وصرع الحيوان قبل ذبحه، وعلى سبيل المثال نذكر نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدكتور عمار طالبي الذي قال في تصريح صحفي: “بأن الصرع هو القتل واستعمال الطريقة حرام لقول الله تبارك وتعالى في الآية الثالثة من سورة المائدة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِبِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ}.
كما أن عضو المجلس الاستشاري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ محمد مكركب الفقيه والداعية المعروف قد أكد في اتصال هاتفي معه أن استعمال طريقة التدويخ أو الصعق للحيوان قبل ذبحه بحجة الرفق به هو التعذيب الحقيقي للحيوان، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين الطريقة الشرعية للرفق بالذبيحة فقال: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم أحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته” (رواه مسلم) وكل الطرق الأخرى التي تستخدم كالتدويخ أو التخدير أو الصعق الكهربائي، أو القتل بالرصاص أو الضرب بالمطرقة، هي طرق مخالفة للشريعة وحكمها حكم الميتة المحرم على المسلم أكلها.
كما أن رئيس لجنة الفتوى بالمجلس الإسلامي الأعلى الشيخ الدكتور محمد الشريف قاهر تحفظ على القول بمشروعية استعمال طريقة الصرع أو الصعق للحيوان، وبعد أن أكد على ضرورة التخفيف عن الذبيحة، تساءل عما إذا كانت الصعقة الكهربائية تخفيف على الحيوان المذبوح أم زيادة في عذابه وطلب بتوجيه السؤال عن ذلك إلى أهل الذكر.
كما طالب العديد من الفقهاء والأئمة بضرورة إلغاء المرسوم أو تعويض المادة الخاصة بتدويخ الحيوان بنص يتوافق مع الشريعة الإسلامية.
و حتى وزير التجارة السابق مصطفى بن بادة وهو ينتمي إلى حزب سياسي ذي مرجعية إسلامية والذي كان من الموقعين على القرار الوزاري المشترك بمعية وزير الشؤون الدينية والأوقاف أبو عبد الله علام الله، ووزير التنمية الصناعية وترقية الاستثمار عمارة بن يونس، ووزير الفلاحة عبد الوهاب نوري، ووزير الصحة عبد المالك بوضياف، تردد في تبني محتوى المادة الخامسة من المرسوم المثير للشبهات، وصرح بأن إلغاء الشرط المتعلق بإمكانية تدويخ الحيوان قبل ذبحه يبقى أمرا متعلقا بالفقهاء لذلك يجب تركه لأهل الفتوى الشرعية.
ورأينا كيف أن أغلب الفقهاء وممثلي الهيئات الإسلامية ذات الأهمية قد تحفظوا أو أفتوا صراحة بعدم جواز طريقة التدويخ، أما الجمعيات المدنية والاتحادات الوطنية فقد رفضت شرط التدويخ، فقد استنكرت جمعية حماية المستهلك شرط التدويخ قبل تذكية الحيوان الوارد في المادة الخامسة من القرار الوزاري المشترك معتبرة أن الصعقة يمكن أن تؤدي إلى قتل الحيوان.
أما نقابة البياطرة وهي الجبهة المختصة في مجال الصحة الحيوانية فقد رفضت بدورها عملية تدويخ الأبقار والأغنام لأنها قد تطرح مشاكل صحية، لأن الدم لا يخرج من الذبيحة بالكامل بعد تدويخها، وتنتج عن ذلك انعكاسات سلبية على صحة المستهلك.
ومن جهته أكد مدير مؤسسة تسيير المذابح بالعاصمة أن عملية الصرع غير موجودة في المذابح الجزائرية، والعملية التي تحدث عنها المرسوم الحكومي سيتم العمل بها مستقبلا في المذابح الثلاثة التي ستنجز في مناطق مختلفة من الجزائر وسيتم تزويدها بآلات تعمل على الصعق الكهربائي مثلما هو معمول به في أوروبا.ويعتقد أن علمية تسيير المذابح التي ستنجز مستقبلا سيوكل لمسيرين أجانب ولعل هذا ما يفسر الموافقة رسميا على إدخال شرط تدويخ الحيوانات قبل ذبحها!
ويبدو أن كل هذه الآراء الفقهية والطبية والاجتماعية السابق ذكرها لم تقنع وزارة الشؤون الدينية التي أفتت بجواز تدويخ الحيوان قبل ذبحه في فتوى حول الصرع والصعق قبل الذبح، وذلك من أجل توفير الغطاء الديني، لقرار سياسي جسده مرسوم وزاري فاجأ بصدوره الجزائريين المسلمين الذين يحرصون على استهلاك المواد الحلال في الشرع الإسلامي حتى عند وجودهم خارج وطنهم وفي مختلف بقاع العالم!.