مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

القدوة الدعوية والعلمية أ/ كمال أبوسنة

كان العلماء الربانيون الذين جربوا السير طويلا في طُرق خدمة الدين يحذرون الوالجين ميدان الدعوة من أمراض النفوس، وغلبة جانب الفجور فيها على جانب التقوى، فالقدوة قبل الدعوة، والعلم مع العمل، وقبل هذا وذاك إخلاص النية وتجديدها أساس صلاح الجهد وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة.

ولا يوجد خطر أعظم على الإسلام من خطر متحدث باسمه، مريض الجنان، فصيح اللسان، يحمله الإسلام، ويدعي أنه يحمل الإسلام، يقول فيُسمع لقوله، ولكن قوله مخالف لفعله، ساقط في محذر قوله تعالى:﴿ يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ، ولهذا قال علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-: “قصم ظهري رجلان: جاهل متنسك، وعالم متهتك، ذاك يغر الناس بتنسكه، وهذا يضلهم بتهتكه “!

وعن عمر – رضي الله عنه-مرفوعا 🙁 إن أخوف ما أخاف على أمتي: كل منافق عليم اللسان ) حديث حسن رواه أحمدوالدارقطني، قال الإمام المناوي -رحمه الله- معلقاً: (كل منافق عليم اللسان، أي عالم للعلم، منطلق اللسان به، لكنه جاهل القلب والعمل، فاسد العقيدة، مغرٍ للناس بشقاشقه وتفحصه وتقعره في الكلام).

 وعن عمر-رضي الله عنه- قال ” كنا نتحدث: “إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم اللسان “ ، وكان معاذ –رضي الله عنه- يقول في مجالسه: ” احذر زلة العالم، وجدال المنافق “.

ولهذا كان عمر كثيرا ما يستعيذ بالله من المنافق العليم، وقد سئل: “كيف يكون منافقا وعليما؟، قال: “عالم اللسان، جاهل القلب”.

إن اللسان الفصيح في جنان غير الصحيح قد يزين القول حيث الشين، ويشين حيث يجب العدل في الكلام، فيهدم حقا، ويعلي باطلا، ومن أجل هذا وصفوا اللسان بأنه سلاح ذو حدين، وخذ العبرة من هذين المثالين من تراث الأقدمين:

– يُحكى أن الحجاج بن يوسف الثقفي كان له غلامان فصيحا اللسان، أحدهما أبيض اللون، والثاني أسود اللون.

فقال لهما يوما: ” ليمدح كلٌ منكما نفسه”.

فقال العبد الأسود:

ألم تر أن المسك لا شيء مثله

وأن بيـاض اللفت حملٌ بدرهمِ

وأن سواد العين لا شك نورها

 وأن بياض العين لا شيء فاعلمِ

وقال العبد الأبيض:

ألم ترَ أن البدر لا شيء مثله

وأن جميع الفحم يُشرى بدرهمِ

وأن رجال الله بيض وجوههُم

 ولا شك أن السود أهل جهنمِ

فتبسم الحجاج ضاحكا من قولهما وأعتقهما.

وقيل إن بعض وجهاء القوم كانوا يحسدون معن بن زائدة على كرمه وحلمه وصبره فدعوا رجلا سليط اللسان، قوي الحجة في الحق والباطل، سريع البديهة، يحسن الخديعة، وقالوا له: “إذا استطعت أن تثير مَعْنا وتخرجه عن طوره فلك مائة من الإبل، فجاء الرجل بجلد بعير، والدماء تقطر منه، والذباب يحوم حول الجلد، ووضعه على جسمه كالعباءة، ودخل إلى المجلس الذي يجلس فيه معن، وجلس بقربه، وحاول الجند أن يمنعوه من ذلك، ويخرجوه، فقال لهم: “دعوه وشأنه لنرى ما يريد، فقال الأعرابي:

أتذكر إذ لحفاك جلد شاة

وإذ نعلاك من جلد البعير

فقال له معن: “نعم أذكر ذلك، ولا أنساه يا أخ العرب”.

 فقال الأعرابي:

فسبحان الذي أعطاك مُلكا

وعلمك القعود على السرير

فقال له معن: “سبحانه لا إله إلا هو”.

 فقال الأعرابي:

فجد لي يا بن ناقصة بشيء

فإني قد عزمتُ على المسير

فقال معن لحاجبه:

“أعطه ألف دينار فأعطاه ألفا”.

فقال الأعرابي:

قليل ما مـننت به وإنـي

لأطمع منك بالشيء الكثير

فقال معن لحاجبه: “أعطه ألفا ثانية”، فأعطاه إياها.

 فقال الأعرابي:

فثلِّث إذ ملكت الملك عفوا

بـلا عـز ولا جاه خطير.

فقال معن لحاجبه: “أعطه ألفا ثالثة”، فأعطاه، فاستحى الأعرابي وقال:

فأنت البحر ليس له كـفاء

ومن جدواه كالبحر الكبير.

ورحم الله الإمام علي-رضي الله عنه- حين قال ناصحا: ” طلبة هذا العلم على ثلاثة أصناف، ألا فاعرفوهم بصفاتهم وأعيانهم:

– صنف منهم يتعلمون للمِراء والجدل.

– وصنف منهم يتعلمون للاستطالة والختل.

– وصنف منهم يتعلمون للفقه والعمل.

فأما صاحب المِراء والجدل فتراه مؤذيا مماريا للرجال، في أندية المقال، قد تسربل بالتخشع، وتخلى من الورع، فدقَّ الله من هذا حيزومه، وقطع منه خيشومه. وأما صاحب الاستطالة والختل فإنه يستطيل على أشباهه من أشكاله، ويتواضع للأغنياء من دونهم، فهو لحلوائهم هاضم، ولدينه حاطم، فأعمى الله من هذا بصره، وقطع من آثار العلماء أثره. وأما صاحب الفقه والعمل تراه ذا كآبة وحزن، قد قام الليل في حندسه (ظلمته)، وقد انحنى في برنسه، يعمل ويخشى، خائفا وجلا من كل أحد إلا من كل ثقة من إخوانه، فشد الله من هذا أركانه، وأعطاه يوم القيامة أمانه”.

فانظر أيها السائر في ركب الدعوة من أي الأصناف أنت؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى