تحت الرعاية السامية للسيد والي ولاية سطيف نظمت شعبة عين ولمان لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الملتقى الوطني الرابع بعنوان:”جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومرتكزات الهوية الوطنية” بالمعهد الوطني المتخصص في التكوين المهني بعين ولمان في يومي الجمعة والسبت 16/17 رجب 1435هـ الموافق لـ 16/17ماي 2014م وقد حضر هذا الملتقى جمهور نوعي غفير.
افتتحت أشغال الملتقى في صبيحة اليوم الأول بتلاوة آيات من الذكر الحكيم والاستماع للنشيد الوطني ونشيد”شعب الجزائري مسلم” ونشط الافتتاحية الدكتور عبد المجيد بيرم الأمين العام لجمعية العلماء، الذي فسح المجال للأستاذ عبد الفتاح داودي رئيس شعبة عين ولمان، حيث ألقى كلمة ترحيبية باسم الشعبة وسكان مدينة عين ولمان المضيافة التي فتحت ذراعيها دائما للعلماء، وأوضح أن اختيار الموضوع كان من أجل دلالة الزمان الذي يقترن بذكرى تأسيس الجمعية وذكرى وفاة الشيخ الإبراهيمي وغيرها من الذكريات الوطنية، ودلالة المكان فعين ولمان مدينة تاريخية صنعت التاريخ بالمقاومة بأنواعها الحضارية ورمز الدفء والنقاء ووطن العلم والعلماء، وبالمناسبة شكر السلطات المحلية على مساهمتها في إنجاح هذا الملتقى.
وفي كلمته أكد الأستاذ العمري لكحل عضو مجلس الأمة على أهمية دور الجمعية الذي لعبته في نهضة الجزائر وتربية الأجيال رغم التحديات التي واجهتها، وذلك بعزيمة رجالات جمعية العلماء من أجل التغيير والإصلاح…
ورحب السيد محمد الصالح بن جدية رئيس بلدية عين ولمان بالحاضرين وتمنى للعلماء والأساتذة الحاضرين إقامة مريحة والنجاح في أشغالهم متمنيا استمرار هذا الملتقى في طبعات أخرى مثمرة وناجحة.
أما الشيخ أحمد ظريف رئيس شعبة ولاية سطيف فقد ذكر في كلمته أن جمعية العلماء اليوم تسير على خطى الأسلاف المؤسسين لها الذين عملوا على توحيد الأمة وإحياء قيمها والمحافظة على مقوماتها الأساسية رغم تنوع التحديات وصعوبة المرحلة.
وتناول الدكتور شكيب أرسلان باقي مدير جامعة سطيف الكلمة، حيث عبّر عن سعادته الغامرة لانعقاد هذا الملتقى خارج أصوار الجامعة حتى يعم النفع، واعتبر أن ابن باديس -رحمة الله عليه- ما يزال حيا بوجود جمعية العلماء المسلمين الجزائريين واستمرار عطائها في الواقع.
وأكد الأستاذ سليم لرقم مدير الشؤون الدينية والأوقاف لولاية سطيف أن المساجد مفتوحة لعلماء الجمعية حتى ينتفع الناس بعلمهم، وأشار إلى أن الحرب على الهوية أشد ضراوة من الماضي، وقد اتخذت أشكالا متنوعة مما يوجب على جميع المخلصين توحيد الجهود من أجل حمايتها.
وكان مسك ختام الجلسة الافتتاحية الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي أشار في كلمته إلى أن الزمان والمكان والإنسان هم دعائم ومرتكزات الهوية، مؤكدا أن أمتنا تعيش اليوم أزمة هوية وانتماء، وأن شهر ماي جسد معالم التضحيات التي قدمها الأسلاف، وهذه الذكريات معبرة بحق عن الجهود التي بُذلت من أجل التحرير الحضاري للمكان والزمان والإنسان.
ولم ينس في كلمته الإشارة إلى أن شهر ماي فيه تذكير لهمنا الأول “ضياع فلسطين” وأكد أن الاستقلال لن يكتمل إلا بتحرير فلسطين وقدسها…واعتبر الدكتور قسوم أن الجامع والجامعة والجمعية هم دعامات حفظ الهوية…ونبه إلى ضرورة الانتقال من القول إلى العمل ومن الكلام إلى الفعل لحماية الهوية وتحصينها من كل أسباب التهديد والتهديم.
أما في الفترة المسائية من اليوم الأول للملتقى فقد ألقى الشيخ سالم بن يونس النائب الثالث لرئيس الجمعية محاضرة بعنوان:”أسس ومقومات الهوية الوطنية في مشروع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين” إذ بعد شرحه لمصطلح الهوية والثقافة أعطى لمحة عن أساليب الاستعمار الفرنسي للمساس بخصوصيات الهوية الجزائرية، وقد وجد بالمقابل مقاومة عامة من الجزائريين..وأشار إلى أن الإصلاح كان موجودا وتدعم بتأسيس جمعية العلماء فيما بعد ليقين المؤسسين الأوائل أن الإصلاح الجماعي أنفع وتأثيره أعظم..مؤكدا في الوقت نفسه أن جمعية العلماء قد غرست روح الوطنية في الشعب وحمتها على أساس أنها إحدى الأركان التي تقوم عليها الوحدة الوطنية…
وقد كشف الدكتور عبد القادر فضيل في محاضرته التي كانت بعنوان:”جوانب من معركة الهوية في الجزائر” عن مشاريع خصوم الهوية الوطنية للقضاء عليها أيام الاحتلال الفرنسي وبعد الاستقلال، مشيرا إلى أن هناك حربا شرسة على مقومات الهوية والثوابت الوطنية، وقد كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائيين رائدة في الدفاع عنها وتحصينها وحمايتها..وبعد تفكيكه لعناصر الصراع القائم على الهوية بين حماتها وخصومها أعطى الدكتور فضيل أمثلة من الواقع ترسم صورة واضحة لمحاولات خصوم الهوية الوطنية الرامية لتهدمها وتعويضها بهوية غريبة عن مكونات الشعب الجزائري..وبالمناسبة حذر من التعليم الخاص الذي أصبح أحد روافد مشروع هدم هويتنا.
وشارك الدكتور عمار جيدل أستاذ بكلية العلوم الإسلامية الخروبة في الملتقى بمحاضرة عنوانها:”المرجعية..الواقع والمأمول” حيث أوضح أن المرجعية ليست مجرد كلام بل هي معان عميقة تكوّن رؤية واضحة للجهة التي تصنع الذات وتوجهها في إطار مفاهيم جامعة عبر تنظير في سياق لا يخالف مرتكزات هويتنا..واعتبر أن جمعية العلماء غنية بالتنظيرات الوطنية التي فاقت فيه كثيرا من المرجعيات المشرقية..وقد أكد على أن ابن باديس رحمه الله من المدارس المتقدمة جدا في الإدراك والفهم والتنظير…
وتواصلت أشغال الملتقى صبيحة يوم السبت 16 ماي، تضمنت جلستين علميتين. كانت الجلسة الأولى ترأسها الدكتور عبد القادر فضيل، وشارك فيها الدكاترة: عمار طالبي، أمينة بشي ومولود عويمر. واهتم الدكتور طالبي نائب رئيس جمعية العلماء بتأصيل مصطلح الهوية على ضوء الفلسفة الإسلامية، بينما تطرقت الدكتورة بشي أستاذة الأدب العربي بجامعة الجزائر1 إلى هوية المرأة في الخطابي الإصلاحي الجزائري. أما الدكتور مولود عويمر الأمين الوطني للإعلام والثقافة وأستاذ بجامعة الجزائر 2 فإنه حلل مفهوم الوحدة عند جمعية العلماء من خلال دراسة نماذج نظرية لخصها في أربعة عناصر: الدين اللغة، الوطن، الشعور المشترك. ثم استعرض المحاضر وقائع تاريخية تجسدت خلال تجربة جمعية العلماء في مجال الوحدة الفكرية والسياسية بين 1931 و1956.
وبعد المناقشات والتعقيبات واستراحة قصيرة، استؤنفت أعمال الجلسة العلمية الثانية التي أدارها الأستاذ حسن خليفة، وشارك فيها كل من الأستاذ محمد شريف بغامي مدير المعهد الوطني لتكوين الأسلاك الخاصة في الشؤون الدينية والأوقاف بباتنة، والأستاذ تهامي مجوري الأمين الوطني للعلاقات العامة. تكلم الأستاذ بغامي عن البعد الأمازيغي في أدبيات جمعية العلماء، ثم تحدث الأستاذ مجوري عن أهم التحديات التي تواجه اليوم جمعية العلماء.
تابعت هذه الجلسة مناقشات وتعقيبا وأسئلة، ثم اختتمت أعمال هذا الملتقى العلمي الناجح بكلمة توجيهية قدمها الأستاذ أحمد ظريف رئيس الشعبة الولائية لجمعية العلماء. وقرأ في الأخير الأستاذ مصطفى عبد الرحمان عضو اللجنة العليا الاستشارية للجمعية توصيات المؤتمرين، ولعل من أبرزها التوصيات التالية:
-التأكيد على أهمية تعميق دراسة موضوعي الهُوية والمرجعية، وتنزيل المفاهيم النظرية المُتطرق إليها على أرض الواقع؛
-التعاون مع الوسط الأكاديمي والمؤسسات العلمية والاجتماعية المشتغلة بموضوع الهوية والمرجعيات الوطنية لدراسة هذه المسائل الهامة دراسة ميدانية تطبيقية واقعية.
-استحداث ورشات متخصصة في الجمعية لترجمة شعار الجمعية “الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا” إلى واقع عملي، كما كانت تفعل الجمعية من قبلُ.