مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
تحاليل وآراء

لا يحدث إلا في الجزائر.!/أ.محمد العلمي السائحي

سائحيمن المفارقات العجيبة التي لا تحدث إلا في الجزائر، والتي تثير الكثير من الحيرة عند البعض، والكثير الكثير من الأسى والحزن عند البعض الآخر، ممن لهم وشائج قوية تربطهم بهذا الوطن، الذي تنشقوا شذاه، وافترشوا أرضه، واستظلوا بسماه، وباتوا لذلك يفرحون لفرحه، ويتألمون لترحه، فعيونهم به معلقة لا تنظر إلا إليه، وأرواحهم إليه مشدودة، لا تسعد إلا به ولا تحن إلا إليه، يرجون له الخير، ويخافون عليه الغير، يذكرون خيره ويشكرونه، ويغضون عن ظلمه وجوره، فهم كما قال الشاعر العربي:

بلادي وإن جارت عليَّ عزيزة

 وقَومِي وإن ضنُّـوا عليَّ كرام

وهؤلاء لا يتصورون الحياة إلا في أكنافه وبين أحضانه، لا يطيقون فراقه، تضيق بهم الدنيا على رحابتها إذا ما فارقوه وابتعدوا عنه، وتراهم يطول بكاؤهم عليه، ويشتد حنينهم إليه، يسعدهم جدا ما يحوزه من انتصارات ويحققه من انجازات، ويسوؤهم كثيرا ما يقع له من عثرات، وهذا الصنف بالذات يتساءل ساخطا محتارا، ومضطرا لا مختارا:

لماذا لا يزال رسميّونا السياسيون منهم والإداريون يعتمدون اللغة الفرنسية للتعبير والتسيير بلا خجل ولا حياء، مع علمهم أنها لغة المحتل الفرنسي الذي غزا البلاد وأذل العباد، أيعقل أن تبقى إدارتنا وجميع هياكل دولتنا رهينة هذه اللغة حتى اليوم وقد مضى عن استقلالنا اثنتان وخمسون سنة ؟ أين الوطنية التي تزايدون بها يا مسؤولينا أليس من مقتضياتها أن تحترموا لغة الوطن وتجعلوا منها أداة لكل علم وفن؟ لقد كان لكم العذر في مطلع الاستقلال لقلة الإمكانيات ونقص الإطارات في اللجوء إلى الفرنسية لتسيير شؤون البلاد ومصالح العباد، ولكن هذا العذر قد سقط اليوم ولم يعد إصراركم على استخدام الفرنسية مبررا ولا مقبولا، وما عاد يحمل منكم إلا على محمل احتقاركم للعباد واستهتاركم بسيادة هذه البلاد، فما علمنا أن ساسة أو إداريين في البلاد الأخرى يخاطبون شعوبهم بغير لغتهم الرسمية التي أقرها الدستور، وارتضاها أداة للتواصل مع الجمهور، إن هذا حقا لمما لا يحدث إلا في الجزائر…

كما يتساءل محتارا، مضطرا لا مختارا: لم إذا ما أصاب مسؤولينا داءٌ عُضال، شدوا إلى الخارج  الرحال طلبا للتداوي والعلاج؟ فإن كان هذا التصرف منهم  ينبي عن عدم ثقتهم في قدرة مشافينا على حسن التكفل بهم، وبذل العلاج المناسب لهم، فإنه ينبي كذلك عن تقصيرهم في النهوض بمهامهم، وسكوتهم عن هذا الأمر، ويطعن في أهليتهم لقيادة البلاد والسهر على شؤون العباد، أوليس اثنتان وخمسون سنة من الاستقلال بكافية لتطوير المشافي في البلاد، وتجهيزها بالعتاد المناسب، وإمدادها بالإطار الكفء الذي يحسن أداء الواجب؟ إن هذا حقا لمما لا يحدث إلا في الجزائر…

وهذا الصنف من الناس يتساءل محتارا مضطرا لا مختارا: لم يعاقب المواطن البطال، إذا شد إلى الخارج الرحال، طلبا للرزق المفقود، وسعيا إلى حل منشود، ولا يعاقب المسؤول الذي  أساء التدبير، ولم يحسن التسيير، ولم يستطع أن يوفر له فرص العمل، واضطره إلى أن يهجر البلاد ويرتحل؟ إن هذا حقا لمما لا يحدث إلا في الجزائر…

إن ما يحدث في الجزائر لهو حقا من المفارقات العجيبة، التي يحتار لها أهل النهى، وإن أطالوا التفكير فيها في الصبح والمساء، لأنها كالطلاسم المزعومة، تبقى دوما غامضة غير مفهومة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى