ساد الانطباع بالتفاؤل والثقة في إمكانية إنجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية رغم أن المقياس الحقيقي لذلك سيكون مع موعد تشكيل حكومة التوافق الوطني التي تم الاتفاق عليها.
وللتذكير فقد مر مسار المصالحة الفلسطينية بالعديد من المراحل التي تعاقبت فيها مشاعر التفاؤل والخيبة حتى كادت المصالحة الفلسطينية تتحول إلى ما يشبه تقلبات أسطورة سيزيف الإغريقية التي تزعم أن سيزيف كلما اقترب من إيصال الصخرة إلى القمة عادت وتدحرجت إلى أسفل الحفرة.
وهكذا تلاحقت محاولات تحقيق المصالحة بين أكبر فصائل المقاومة الفلسطينية أي حركة التحرير الفلسطينية (فتح) وحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) وذلك منذ لقاء مكة المكرمة في 8 فيفري2007 تم الاتفاق بين قادة فتح وحماس برعاية عاهل المملكة العربية السعودية الملك عبد الله بن عبد العزيز على تشكيل حكومة وحدة وطنية وتوزيع الحقائب الوزارية حسب حجم المقاعد البرلمانية التي تحوز فيها حركة حماس الأغلبية، فبعد أن تبودلت الخطب الحماسية والتهاني الأخوية بين الحاضرين وقوبل الحدث الفلسطيني بالعديد من ردود الفعل الدولية المرحبة، تدهور الوضع بعد بضعة أشهر بصورة مأساوية وصل إلى حد اندلاع القتال المسلح بين أبناء المقاومة من فتح وحماس في قطاع غزة في شهر جوان2007، وانشطر الكيان الفلسطيني على إثر ذلك إلى شقين متنازعين: حكومة في رام الله بقيادة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وحكومة أخرى في غزة برئاسة إسماعيل هنية.
وإذا كانت الحرب المسلحة الساخنة قد وضعت أوزارها بعد إخراج القيادي في حركة فتح محمد دحلان وقواته المسلحة من قطاع غزة، فإن الحرب الباردة السياسية والإعلامية ظلت مستعرة بين رام الله وحركة فتح وحلفائها من الفصائل الفلسطينية وداعميها من القوى الإقليمية والدولية من جهة، وبين قطاع غزة وحركة حماس وحلفائها من الفصائل الفلسطينية وداعميها من القوى الإقليمية من جهة أخرى.
وبعد العدوان الإجرامي الصهيوني على قطاع غزة المعروف بعملية الرصاص المصبوب والذي دام من 27 ديسمبر إلى 19جانفي 2009.
وعلى إثر تصاعد النقمة الشعبية العارمة الفلسطينية والعربية والإسلامية ضد حالة الانقسام ووضعية التردي العربي وخصوصا موقف النظام المصري بقيادة الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي ساهم في حصار قطاع غزة، عادت أجواء التلميع الإعلامي للقاءات المصالحة الفلسطينية إذ انعقد لقاء مصالحة فلسطيني بين قادة حركة فتح وقادة حركة حماس في القاهرة في أواخر شهر فيفري2009 للاتفاق على مبادرة صلح بين الطرفين سميت “بالورقة المصرية” وبسبب خلافات إجرائية حول تنفيذ بنود الاتفاقية تعطلت المصالحة إلى أن تجدد اللقاء في القاهرة بعد انتصار الثورة المصرية وحضر التوقيع على الوثيقة كل من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل وعدد من الشخصيات الرسمية المصرية، وشمل الاتفاق تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، وكذا الاتفاق على تشكيل حكومة توافق وطني مؤقتة تتولى الإعداد للانتخابات وإعمار قطاع غزة، ولكن الاتفاق بقي حبرا على ورق، وتعطل تنفيذه وسط اتهامات متبادلة بين قادة فتح وحماس بالتنصل من الالتزامات المتفق عليه.
وبعد قرابة السنة من ذلك تم الإعلان في الدوحة عاصمة قطر في شهر فيفري 2012 على اتفاق جديد للمصالحة وقعه محمود عباس نيابة عن حركة فتح وخالد مشعل نيابة عن حركة حماس بحضور ورعاية أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل الثاني، ونص الاتفاق على تشكيل حكومة التوافق الوطني من كفاءات فلسطينية مستقلة برئاسة تكون مهمتها تسهيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبدء في عملية إعمار غزة وسمي هذا الاتفاق إعلان الدوحة.
ويبدو أنه بعد كل تلك السنوات من الخيبات والإصرار على المراوحة في الانقسام والشقاق والخلاف لاحت بارقة أمل في الأفق الفلسطيني بتوقيع اتفاق مصالحة بين حركتي فتح وحماس حدث ذلك يوم 23 أبريل2014 في بيت إسماعيل هنية رئيس حكومة حماس في قطاع غزة، حيث تم الإعلان عن تشكيل حكومة توافق وطني بعد خمسة أسابيع من إعلان الاتفاق والشروع في جميع ملفات الخلاف المتضمنة في البنود السبعة وفق ما جرى الاتفاق عليه في لقاء القاهرة وإعلان الدوحة.
وقد سارعت إسرائيل إلى تخيير محمود عباس بين المصالحة مع حماس أو مواصلة المفاوضات مع إسرائيل ولإعطاء مضمون ملموس لتهديداتها أوقفت مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية، كما سارعت الولايات المتحدة الأمريكية الحليفة الكبرى لإسرائيل وحامية عدوانها على الفلسطينيين والعرب إلى اعتبار المصالحة بين فتح وحماس مهددا لجهود السلام، وتوعدت بمراجعة مساعداتها الاقتصادية للفلسطينيين.
ولكن رغم كل تلك التهديدات والعقبات المزروعة في طريق المصالحة واستعادة الوحدة بين الفلسطينيين ما زال أبناء المقاومة في فتح وحماس والفصائل الجهادية الأخرى متمسكين بخيار المصالحة، والمأمول أن تتحول البهجة الإعلامية والتفاؤل السياسي والشعبي بالمصالحة إلى ممارسة مجسدة في الواقع الفلسطيني.