أحداث وطنية ومحلية
بَيَانُ الأَسْبَابِ الْحَقِيقِيَةِ لِحَلِّ المَشَاكلِ الاجتِمَاعيَة وَالسِّيَاسِيَة/الشيخ محمد مكركب
في كثير من الأحيان، وكثير من الأوساط ينسى المسلمون المتنازعون أنهم قدوة لغيرهم كما قرؤوا في سورة الفرقان، ويغرقون في خصوماتهم، وغيرُ المسلمين يتابعون الأحداث بشيء من التعجب، وبكثير من الاستغراب، ويتساءلون بينهم هل هؤلاء إخوة أم أعداء؟ هل هؤلاء من الذين إذا ما غضبوا هم يغفرون أم أنهم من الذين إذا ما غضبوا هم يحقدون وعلى الانتقام هم يُصِرُّون، ولا يتسامحون، ولو فُتِنَ الكافرون،..
يرى الكفار أن شعبا من الشعوب التي تسمى إسلامية يقتل بعضهم بعضا، ويرى الكفار مدينة أو قرية أو حيا في بلد مسلم بما يسمى في الخريطة السياسية ولكنهم يعتدون على بعضهم، وَبِغَضِّ النظر عمن هو الظالم ومن هو المظلوم فالكل مخطئ ملوم، المهم أنهم مسلمون بغير سماحة الإسلام، مسلمون بغير تراحم الإسلام، مسلمون بغير طاعة الله؟
قال: ما هذا؟ بغير طاعة الله؟
نعم ألم يقل الله تعالى {وَلا تَنَازَعُوا} وهم يتنازعون، ويعصون رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: [لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه] وهؤلاء المتنازعون، لم يكتفوا بهجران إخوانهم، بل هَجَّرُوهُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ. قال كيف؟ قلت: فانظر ما وقع في سوريا من سنة(2012 م ـ إلى 2014م) على سبيل المثال. أما بالنسبة لغير المسلمين الذين يزعمون أنهم شعب الله المختار وأنهم المتعلمون المتقدمون الإنسانيون وغيرهم متخلفون فانظر كيف يعاملون المسلين في فلسطين المحتلة، كيف أن اليهود يقومون بإكراه الساكنين على ترك بيوتهم ظلما وعدوانا،…
إن شرارة النزاع تنطلق من الاختلال في معادلة الموازنة بين الحقوق والواجبات، وتجد تلك الشرارة النارية غرضها وانتعاشها في هشيم الحسد، وَتِبْنِ الغيرة، وأحيانا تجد بنزين العصبية العرقية، أو الطائفية، أو المذهبية.عندما يتعصب الأناني لمذهبه أو عشيرته أو قريبه أو حزبه، يكون قد انحرف عن الجادة ، والله تعالى أمر بالقسط ولو على النفس والقريب.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}(النساء: 135).
قال السائل: معنى هذا أن المتقاتلين في هذه البلدان التي تسمى البلدان العربية الإسلامية لا يتميزون بالصراحة الأدبية ولا يحسنون المحاورة العقلية المنطقية، ولو أنهم بالصراحة يتجاوبون وبالمحاورة المنطقية يتحاورون، وبالإخلاص يتعاملون لحلوا مشاكلهم وأصلحوا ذات بينهم.
قلت: ها قد أجبت نفسك بنفسك…أجل..أقول لكل المتنازعين على مستوى أسرة أو على مستوى حي أو مدينة أو دولة، أو بين شعوب ودول.إن من أعظم أسباب دوام واستمرار الصراع هو غموض الأسباب والمقاصد والمطالب بين الخصوم…وبذلك تتعقد وتتأزم فتن النزاع، ويطول عمر الصراع، ويصل الأمر إلى أن يقتل المسلم أخاه ولا يبالي بالحكم الذي أنبأ به الرسول صلى الله عليه وسلم.
عَنْ أَبِى بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّار ] (صحيح مسلم.كتاب الفتن وأشراط الساعة.2888) وفي حديث آخر: [إِذَا الْمُسْلِمَانِ حَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَخِيهِ السِّلاَحَ فَهُمَا فِي جُرُفِ جَهَنَّمَ فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَخَلاَهَا جَمِيعًا].
قال السائل: وأين الحل؟ قلت: وما ذا كنا نتحدث منذ الصباح ؟ لكن لا بأس…الحل في التسامح والتصالح…قبل فوات الأوان…قبل أن يسلط الله عز وجل عدوا على المسلمين المتنازعين فلا ينجو منهم طرف … ومن ثم فالواجب على المتنازعين أن يصلحوا ذات بينهم قبل أن يهلك الجميع فلا ينجوا منهم المؤيد ولا المعارض {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(سورة الأنفال:25).
لقد روى الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الفتن وأشراط الساعة.في باب: هلاك هذه الأمةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ.وصَدَقَ الذِي جاءَ بالصِّدْقِ صَلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ.
فَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ- [إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِىَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّى لأُمَّتِي أَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّى إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِى بَعْضُهُمْ بَعْضًا] (مسلم،كتاب الفتن وأشراط الساعة.رقم: 2889).
أيها المتنازعون المتخاصمون، أيها المتقاتلون الذين تعلنون أنكم مسلمون وبالقرآن والسنة تعملون، وأنتم أبعد ما يكون عن أخلاق الإسلام في التسامح والتصالح ، وعن قيم الإسلام في العفو والتناصح. أيها المتنازعون، أيها الحاقدون المتقاطعون المتدابرون اقرؤوا هذا الحديث وتدبروه وافهموه لعلكم تعقلون، وإلى الله تعالى تتوبون، ومن ظلام الغفلة تخرجون. تدبروا حديث ثوبان الواضح البيان.
فمن يتدبر هذا الحديث يعلم أن أخطر فتنة وأضرها على المسلمين والتي بها يهلكون هي الحرب الأهلية، أي تقاتل المسلمين مع بعضهم، في وطنهم، إنها الفتن التي تأكل المجتمع من الداخل…
قال محاوري وهو يسبحل ويحوقل: ألهذه الدرجة بلغت شدة إطباق الغفوة على المسلمين المتنازعين المتقاتلين حتى إنهم نسوا هذا الحديث؟…قلت: لا تتعجب فمن يعصي الله تعالى متعمدا فقد أهان نفسه، ودسها في دهاليز الغفلة، حتى لا يرى إلا نفسه، بل العاصي يصل إلى درجة من الغفلة أنه ينسى نفسه.. إن هؤلاء المتقاتلين نهاهم الله عن التنازع فلم ينتهوا، وأمرهم بالعفو والغفران والرحمة فلم يستجيبوا، قال الله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فلم يسمعوا ولم يصلحوا ذات بينهم، وأصروا على أن يحلوا مشاكلهم بالغلاب بالتقاتل بينهم.
قال الله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ .إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}وبناء على قوله تعالى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [انصر أخاك ظالما أو مظلوما]. قلت: يا رسول الله، هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال: [تمنعه من الظلم، فذاك نصرك إياه] (صحيح البخاري برقم: 2443).
قلت بناء على الآية الكريمة والحديث النبوي الشريف قد يتبادر إلى ذهن البعض أن الواحد منهم إن رأى مؤمنين متقاتلين يحمل سلاحه ويخرج حسب فهمه لينصر إخوانه، أو لقتال الطائفة الباغية ..؟. والذين يخرجون فرادى بغير قيادة إمام المسلمين، وبغير إذن العلماء مجتمعين، يقعون في غلط كبير، وفي فتنة وجريمة أكبر من التي زعموا أنهم خرجوا من أجلها ليصلحوا وينصروا الحق وأهله، وهذا الذي وقع فيه كثير من الشباب لسوء فهم أحكام الجهاد، وجهل شروط وآداب القتال في سبيل الله تعالى، فإذا رأوا جماعتين متقاتلتين اندفعوا بغير علم ولا هدى ولا دليل،لقصدهم قتال الفئة الباغية، فزادوا الفتنة انتشارا ، والتقاتل نارا، فهم قد يريدون الخير ونصرة المظلوم ولكنهم جهلوا الطريقة والوسيلة …