أحداث دولية
الاستخباراتُ الصهيونية تتوقع سقوطا مدوّيا للانقلابيين في 2015
أصدرت شعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية (أمان) تقريراً حذرت فيه من إمكانية سقوط الانقلاب العسكري المصري في عام 2015، ما لم يتمّ تقديم دعم مالي خليجي “هائل” للانقلابيين لمساعدتهم على مواجهة تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تشتدّ وطأتها بمرور الأيام. وتجاهلت الشعبة سبباً آخر رئيسا يدفع بالانقلاب إلى السقوط وهو إمعانه في قمع الشعب والتنكيل به، وعدم قبول أي صوت معارض بدليل إقدامه منذ أيام على حظر “حركة 6 أبريل”، فضلا عن مواصلة المحاكمات الجماعية وإصدار مئات أحكام الإعدام بحق أنصار الإخوان وقيادييهم دون أدنى اكتراث بأبسط قواعد المحاكمات العادلة.
يتوقع كل المتتبعين لتطوّرات الساحة السياسية المصرية فوزا سهلا للمشير عبد الفتاح السيسي على خصمه حمدين صباحي، وهو بدوره أحد أكبر عرّابي الانقلاب، في انتخابات الرئاسة التي ستُجرى يومي 26 و27 ماي الجاري، حتى ولو تطلّب الأمر تزوير نتائج الانتخابات لصالحه ليفوز بفارق كبير جدا قصد منح الانقلابيين ورقة هامّة يتذرعون بها لاضفاء الشرعية على انقلاب 3 جويلية، وإنهاء عقدة اللاشرعية التي بقيت تطاردهم منذ 10 أشهر، فالجيش لم يقم بالانقلاب ويُدخِل البلد في دوامة سياسية خطيرة ليتخلى بسهولة عن الحكم ويمنحه على طبق من ذهب للسياسيين، ولذلك ليس ثمة أي فرصة لفوز صباحين بالرئاسة عن طريق صناديق الاقتراع.
ومع ذلك، فإن “انتخاب” السيسي رئيساً للجمهورية بدل أن يبقى رئيسا “فعلياً” للدولة يحكم من وراء ستار، لن يعني بأي حال من الأحوال استتباب الأمر له، ونجاح الانقلاب، واستقرار مصر، واستسلام الإخوان وعودتهم إلى بيوتهم؛ فالتقريرُ الأخير لشعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية يؤكد أن عمر السيسي في الرئاسة سيكون قصيرا وقد لا يتجاوز عاما واحدا ثم يسقط حكمُه بشكل مدوي في عام 2015، وأوعزت الشعبة السبب إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر وبلوغها وضعاً لا يُطاق بسبب ضعف تجنيد الموارد المالية لتلبية الاحتياجات الأساسية لـ 87 مليون مصري، ولا سيّما إذا لم يتلقَّ الاقتصادُ المصري مساعداتٍ مالية “هائلة” كما وصفها، من الدول الخليجية المؤيدة للانقلاب، وفي مقدّمتها السعودية والامارات، حيث تفتقر مصر إلى موارد بديلة لأنها دولة غير طاقوية.
ويُذكر بهذا الصدد أن بعض الدول الخليجية قد قدّمت للانقلابيين 15 مليار دولار في جويلية 2013، مكافأة لهم على انقلابهم الغاشم على الإرادة الشعبية وإنهاء حكم الإخوان المسلمين الذي تمقته السعودية والإمارات بشدّة، لكن البلدين لا يمكنهما الاستمرارُ في تقديم المساعدات المالية إلى الأبد للانقلابيين، وسيضعف حماسُهما لهم بمرور الوقت، ما يشكّل ورطة لهم في قادم الأيام.
ويُعتقد أن الدافع إلى إصدار هذا التقرير هو الدفع بالسعودية والامارات وربما دول خليجية أخرى إلى تقديم دعم مالي جديد للنظام الانقلابي بمصر قصد مساعدته على الصمود وبناء حكم جديد على أنقاض حكم الإخوان بعد إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة، لأن استمرار هذا النظام يعدّ في مصلحة الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى ما دام قد أحكم الحصار على غزة وضيّق الخناق على حماس والمقاومة، وقد أعرب العديدُ من القادة الصهاينة في مناسبات مختلفة عن ارتياحهم للانقلاب وقمع الإخوان ثم تصنيفهم “حركة إرهابية” في مصر والسعودية والامارات، وأكدوا أن ذلك يخدم كيانهم بالدرجة الأولى، ولذلك من مصلحة الصهاينة أن يصمد نظامُ السيسي سنوات طويلة كما صمد نظامُ مبارك للحفاظ على تبعية مصر للأمريكان والصهاينة وبقائها شوكة في حلق المقاومة وقضايا الأمة، ومن ثمة يمكن فهم الهدف الحقيقي من إصدار هذا التقرير، وتركيزه على العامل الاقتصادي دون غيره من العوامل التي تُضعف الانقلابيين، فهو يعدّ في الواقع تحذيراً ونداء استغاثة لضخ ملايير إضافية لمصر لانقاذ الانقلابيين قبل فوات الأوان وعودة الإخوان مجدداً إلى حكم البلد مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات سلبية محتملة على دول الخليج، وكأن التقرير الصهيوني يقول للخليجيين: إن خسارة ملايير إضافية من الدولارات أهونُ من خسارة حليفكم بمصر وعودة عدوكم وعدونا معاً إلى الحكم.
التقرير الاستخباراتي الصهيوني تجاهل عمداً دور الإخوان في أي تغيير سياسي محتمل، للايحاء بأن كل المتاعب التي تواجه النظام الانقلابي سببها شحّ الموارد المالية لمصر بالدرجة الأولى، وليس هناك أي تأثير للشارع على استقرار الحكم الجديد، وهو أمرٌ غير صحيح؛ فأنصار الشرعية لا يزالون صامدين واحتجاجاتهم اليومية لا تزال متواصلة في الشارع والجامعات، وإن تراجع زخمُها مقارنة بالأشهر الأولى التي تلت الانقلاب، وهو عاملٌ مهمّ يُحكِم الحصار على الانقلابيين ويقضّ مضاجعهم.
ولو لم يكن الأمرُ كذلك، لما رأينا تواصل القمع والبطش بالمتظاهرين بشتى السبل، والاستمرار في المحاكمات الجماعية وإصدار أحكام إعدام بحق مئات المتظاهرين دفعة واحدة، ومنهم المرشد العام للإخوان محمد بديع منذ أيام رفقة 682 من أنصاره دفعة واحدة في واحدة من أكبر المحاكمات سُخفاً في مصر والتي تذكّرنا بالمحاكمات النازية والفاشية ولم تراعِ أبسط قواعد المحاكمات العادلة المتعارف عليها دولياً، ما أثار حنق المنظمات الحقوقية الدولية وبعض الدول الكبرى مجدداً ودفع أمريكا إلى التلويح بوقف مساعداتها العسكرية لمصر.
بل حتى الأصوات المعارضة خارج إطار الإخوان أضحت ممنوعة تماماً بدليل حظر نشاطات “حركة 6 أبريل” التي كانت من بين منظمي مظاهرات 30 جوان 2013 التي تذرّع الجيشُ بـ”حمايتها” واتخذها غطاءً للقيام بانقلاب 3 جويلية، فبمجرّد تحوّل الحركة إلى معارضة حكم الجيش ومطالبتها بالتوقف عن انتهاك حقوق الانسان وقمع المصريين، سارع النظامُ الانقلابي إلى حظرها، لتنطبق بذلك على الحركة مقولة “ألا إني أكلتُ يوم أكل الثور الأبيض”.
ومرة أخرى نقول: إن الكرة في مرمى الشعب المصري بعد أن تأكد أن الأمر لا يتعلق بـ”ثورة” شعبية في 30 جوان، بل بذريعة اختفى وراءها قادة الجيش وموجة ركبها بمكر وخبث كبيرين، للانقلاب على إرادة الشعب والسطو على الحكم، فإمّا أن يتّحد الشعبُ لاستعادة ثورة 25 يناير، أو يتركها تموت نهائياً، ويأكل العسكرُ بقية الثيران الواحد تلو الآخر.
بقلم: حسين لقرع