قد يستغرب الكثير ممن يقرأ عنوان مقالنا هذا خاصة وأننا في بلد لم نعهد فيه اهتمام الجهات الرسمية بعلمائها، لكنني أحاول كما حاول من قبلي من أسيادنا العلماء الذين مروا على هذا البلد الطيب وكانت لهم معاناة رهيبة وقاسية مع أناس لم يعرفوا للعالم قدرا، لأنهم أصلا لم يتعلموا فكانوا أعداء العلم والعلماء، وعليه كان العالم ولا يزال محاربا، ومهمشا، أو منبطحا مع المنبطحين الذين باعوها ذهابا وإيابا.
كيف لبلد كالجزائر يعجز أن يكون له مجلس أعلى لعلمائه، العلماء الحقيقيون المخلصون المتخصصون، كلّ في مجاله، ويكون هذا المجلس بمثابة عقل الجزائر الكبير الذي يدرس ويحلل ويخطط ويضع الاستراتيجيات التنموية والتطويرية طويلة المدى لشتى المجالات والقطاعات.
فعلماء الاقتصاد يخططون لتطوير اقتصاد البلد ويضعون مدونة التطوير العميق لاقتصاد الجزائر، تكون مفصلة تفصيلا وتشرح كافة الخطوات العملية لذلك، وتكون بمثابة الدليل الاسترشادي الذي لا تحيد عنه السلطة التنفيذية قيد أنملة، ويقدم الدراسات المعمقة لمن يعرف استغلالها في الجهاز التنفيذي للبلد، يكون الهدف منها علاج مشكلة آنية أو مشكلة دائمة، لكن من منطلقات علمية تعكس قمة التخصص، فيكون له خطة لتطوير القطاع الفلاحي، وتطوير السياحة، وتطوير الصناعات، واستقطاب شراكات عالمية، تطوير الاستثمار المحلي والأجنبي، تطوير الجهاز الإداري والوصول للحكومة الالكترونية والذكية.
أما علماء الاجتماع والنفس والتربية فيقدمون تلك الدراسات والخطط والاستراتيجيات التي تمكن من علاج مختلف أنواع الآفات الاجتماعية، والبحث عن أرقى الأساليب التربوية والنفسية التي تسمو بالفرد في مجتمعه إلى أرقى مستويات الأداء والتوازن النفسي، والحصول على نتائج راقية على المستوى التربوي والتعليمي.
كما يمكن لعلماء الطب والصحة والبيئة تقديم البرامج البيئية والصحية التي تجعلنا نعيش في محيط بيئي خال من السموم والنفايات المدمرة للبيئة والبحث عن أنجع السبل لبيئة خضراء وبيئة خالية من الإشعاعات والموجات المغناطيسية المدمرة لجسم الإنسان، مخططات تجعلنا نستغل طاقتنا الشمسية والهوائية وطاقة الأمواج ونصدر الفائض منها، مخططات تجعلنا ننتج المنتجات الطبيعية الخالية من الكيماويات القاتلة والمسرطنة.
كما يمكن لهذا المجلس أن يحصل علماء الطب فيه على أرقى ما يمكن أن يرتقي بصحة الإنسان في بلادنا، فيجتهدون لوضع برامج تدريبية عالمية لخيرة أطبائنا في التخصصات التي لم نتحكم فيها، ووضع خطط لبرامج بناء وتجهيز وترقية مستشفياتنا، ووضع خطط للاحتكاك مع العالم المتطور في مجال الطب لنقل تلك الملكات إلى بلادنا.
ويمكن لعلماء الدراسات السياسية والدبلوماسية والإستراتيجية وضع خارطة طريق تمكن بلادنا من استرجاع مكانتها العالمية، حتى تكون لدينا دراسات دبلوماسية مبنية على أسس علمية متينة، دراسات إستراتيجية يقدمها علماء في التخصص تفتح أعيننا على العالم حتى لا نهمش ولا يحتقر قدراتنا أحد من الناس.
يضاف إلى ذلك مختلف الدراسات المتخصصة التي يمكن للمجلس من خلالها أن يرشد الجهات الحكومية التنفيذية وحتى القيادة العليا للبلد بمختلف أنواع دراسات الحذر وتقدير الخطر، سواء على المستوى الداخلي، مثل المشاكل الأمنية المختلفة وسبل حلّها، يضاف إلى ذلك مختلف المخاطر القائمة وسبل علاجها.
إننا في أمس الحاجة إلى أن نؤسس عقلا للبلد، يفكر ويترجم آمالنا وأحلامنا إلى حقيقة، ويداوي آلامنا اليومية الدقيقة، فإذا فعلنا ذلك كنا حقيقة أمة…