تزايدت في الآونة الأخيرة مؤشراتُ التقارب بين المعارضة العلمانية السورية والكيان الصهيوني، دون أن تشعر هذه المعارضة بالخزي والعار، وباتت بعضُ الأوساط الإعلامية العربية والدولية تتحدث عن إمكانية تدخل الجيش الصهيوني عسكرياً لشن حرب على نظام الأسد بغية إسقاطه وإيصال المعارضة المسلحة إلى الحكم بدله، وهذا حتى يكسب الصهاينة حليفاً جديداً في المنطقة ويقضوا على حزب الله ويعزلوا إيران تماماً.
منذ أسابيع قليلة، دعا كمال اللبواني، وهو قياديٌ في ما يُسمى “الإئتلاف الوطني السوري”، في حوار أدلى به لجريدة “العرب” الصادرة في لندن، الكيانَ الصهيوني إلى التدخل عسكرياً في سوريا للاطاحة بالنظام السوري، وإيصال المعارضة إلى الحكم، مقابل تخلِّيها له عن الجولان كمكافأة، وتمادى اللبواني في حواره وقال إنه ينظر إلى الصهاينة كـ”قوة تحرير وليس كقوة إحتلال؟”.
وبرغم الانتقادات الواسعة التي أثارتها تصريحاتُ اللبواني والاتهامات التي لاحقته بخيانة وطنه وعرض جزء منه للبيع مقابل إرواء عطشه الشديد إلى الحكم، إلا أن اللبواني بقي مصرًّا على موقفه، وكرّر عرضه على الصهاينة في حوار أدلى به لموقع “والاه” العبري منذ أيام قليلة، وقال فيه إن أمله قد خاب في العالم أجمع ولم يبق له إلا أن يتوجه إلى الصهاينة لنصرته عسكريا ضد الأسد، باعتبار أن هناك “أعداء مشتركين ومصالح مشتركة” بين الطرفين، ويعني بهم نظام الأسد وحزب الله وإيران وتنظيم “القاعدة” داعيا الصهاينة إلى التدخل عسكرياً للتخلص من هؤلاء جميعاً وتسليم الحكم له، ليعيش البلَدان جنباً إلى جنب في كنف “السلام”، وزعم اللبواني أن الثورة السورية “أوجدت فرصة تاريخية للسلام بين الشعبين”، وأن السلام سيتحقق بتحويل الجولان إلى “منتزه سلام” دون حاجة إلى خروج الصهاينة منه…
ويبدو أن تصريحات اللبواني غير معزولة، بل تمثل المعارضة السورية، وتحديداً العلمانية منها، بدليل أن تصريحاته لم تلق أي استهجان يُذكر من قيادات المعارضة باستثناء أسماء قليلة، لكن حتى تصريحات هذه الأسماء لم تكن قوية، وبدا وكأن تصريحات اللبواني قد أحرجتها لأنها كانت تريد أن يبقى التعاون بين المعارضة العلمانية السورية والصهاينة طيّ السر والكتمان، وأن لا يخرج إلى العلن حتى لا يؤلب ذلك الشعب السوري ضدّها، باعتباره من أكثر الشعوب العربية حساسية اتجاه مسألة التطبيع ورفضاً لها، فاضطرت إلى إصدار تصريحات لطمْأنة الشعب السوري لا أكثر…
ومع ذلك، فإنّ إمكانية التدخل العسكري الصهيوني المباشر ضد النظام السوري كما يتمنى اللبواني، تبقى مستبعَدة؛ إذ أن ذلك يعني حرباً واسعة على ثلاث جبهات وسقوط مئات الآلاف من الصواريخ من سوريا ولبنان وإيران على الكيان الصهيوني وإحداث دمار كبير في بنيته التحتية، ولا نعتقد أن الصهاينة سيغامرون بخوض حرب من أجل إيصال اللبواني إلى الحكم، مهما أبدى من استعدادٍ للولاء المطلق لهم، وهم يعرفون أنهم سيتكبَّدون في سبيل ذلك خسائرَ مادية وبشرية جسيمة.
والأفضل للصهاينة هو إستمرار الوضع الراهن؛ حيث تخوض المعارضة السورية بشقيها العلماني والإسلامي حرب استنزاف طويلة ومدمّرة ضد الجيش السوري منذ أكثر من ثلاث سنوات، وقد قوّضت هذه الحربُ الشرسة جانباً مهما من قدرات هذا الجيش وأوقعت أيضاً مئات المقاتلين من حزب الله قتلى، وفي نفس الوقت قضت الحربُ على عشرات الآلاف من الجهاديين السلفيين الذين ينظر إليهم الصهاينة والأمريكان كخطر داهم، وما دام الطرفان يقاتلان بضعهما البعض بهذه الشراسة ويُضعفان بضعهما البعض باستمرار، فلماذا يتدخل الصهاينة عسكرياً ويعرّضون أنفسهم لأخطار كبيرة لتلبية نداء اللبواني إلى التخلص من الجيش السوري وحزب الله و”القاعدة” معاً، في حين أن أعداءهم المشتركين يتقاتلون ويتفانون بشكل لم يكونوا يحلمون به ويقومون بهذه المهمة نيابة عنهم ودون أن يجبروهم على التضحية بجندي يهودي واحد؟
ثم إن التدخل العسكري الصهيوني في سوريا سيُفضي إلى زيادة شعبية الأسد والالتفاف حوله والمساهمة في صموده، وزيادة نقمة الشعب السوري على المعارضة، ولن يسمح لها بأن تحكمه وأن تبيع الجولان للصهاينة كمكافأة لهم.
احتمالات التدخل العسكري الصهيوني المباشر في سوريا إذن محدودة للغاية، ، وسيبقى التاريخُ يطارد بلعنته اللبواني وكل معارض سوري وافقه في عرضه للصهاينة بالتخلي لهم عن الجولان مقابل إيصاله إلى الحكم بحرب مدمّرة على بلده. والتاريخُ لا ينسى.
إن الثورة السورية – على حسب رأي- قد حُرّفت عن مسارها؛ فقد بدأت مسالِمة يطالب فيها الشعبُ السوري بحقه في الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ووضع حدّ للاستبداد وكبت الأنفاس والفساد، لكنها حُوّلت إلى معارضة مسلحة، ثم إلى حربٍ طائفية نتنة، ثم ازدادت انحرافاً بعد الاستعانة بعض المعارضين بالعدو الصهيوني جهارا نهارا في موقف خياني لا يُغتفر. ترى هل يثور الشعب السوري على من سرق ثورته وارتمى في أحضان الأعداء ويعيد ثورته إلى السكة الصحيحة؟