مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
تحاليل وآراءقضايا الأمـــة

التعليمُ القرآني فريضةٌ وإعادة إحيائه أمانةٌ

بقلم الدكتور محمد بوركاب

التعليم القرآني فريضة شرعية لقوله تعالى: {وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلَاً}[المزمل:4] وقول رسول الله ﷺ: «تعلَّموا القرآنَ واقرؤوه وأَقرِئوه» [رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي ] والأمر إذا أُطلْق أفاد الوجوب، وقوله ﷺ: «طلبُ العلم فريضةٌ على كلّ مسلم» والقرآن الكريم ينبوعُ العلوم، وهي خادمة له وكاشفة لأسراره وأحكامه ومعجزاته الدالة على عظمة ووحدانية مُنزِله سبحانه وتعالى. 

وهجرانُه وإماتُة تعليمه بالإبقاء على مدارسه وزواياه مغلقة كبيرةٌ وجريمةٌ في حقّ أنفسنا وأبنائنا، لقوله تعالى:{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِيَ اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]، والمراد بالهجر: تركُ الاعتناء به وسماعِه، والآية وإن سيقت في مشركي قريش، فإنها تحمل تحذيرا شديدا لهذه الأمة حتى لا تقع في أيّ نوع من أنواع الهجران لكتاب ربها، ولذلك ورد عن الشيخ ابن تيمية رحمه الله أنّه قال: “مَن لم يقرأ القرآن فقد هجره، ومن قرأه ولم يتدبّره فقد هجره، ومَنْ قرأه وتدبّره ولم يعمل به فقد هجره ” !

وروى الترمذي وحسّنه أن النبي ﷺ قال: «عُرِضت عليّ أجورُ أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت عليّ ذنوبُ أمتي فلم أرَ ذنبا أعظمَ من سورة من القرآن أو آية، أوتيها رجلٌ ثُمّ نسيها» ولذلك قال الإمام النووي: ” نسيانُ القرآن كبيرةٌ” .

وبإغلاق المدارس القرآنية طوال هذه المدة، نسي أبناؤنا أكثرَ ما حَفِظوه من كتاب ربّهم ؟!

  • ولهجرانِ القرآن عواقبُ وخيمة، أخطرها:

قسوةُ قلوبنا وقلوب أولادنا، وانحطاطُ أخلاقهم، وتركهم الصلاة وتكاسلهم عن أدائها، وتقصيرُهم في دروس العلم، وقضاءُ أكثر أوقاتهم في الفضاء الأزرق فيما يضرّ أكثرَ مِمّا ينفع …

  • ومسؤوليةُ إعادة فتحها أمانةٌ في أعناقنا، لقول النبي ﷺ: «كلكُم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيّته، فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته» وأخص بالذكر :

1 ـ رئيس الدولة ومَن ينوب عنه من وزراء ووُلاة، لأنّ إقامة الدين والصلاة وتعليم القرآن هي أَولى اهتماماتهم عند الله ورسوله والمؤمنين، فكما تمكَّنوا مِن إعادة فتح المدارس والروضات بالتزام الإجراءات الوقائية، فليفعلوا ذلك في المدارس القرآنية والزوايا، وهو ما يوجبه عليهم الشرع وميزانُ العدل .

2 – المرجعية الدينية، لأنّ العلماء ورثة الأنبياء، وهم أمناء الرسول ﷺ، وقد استأمنهم على دين الله وكتابه والأمّة.

3 – شيوخ الإقراء وهيئاته، لأنّ التعليم القرآني هواؤُهم لا يعيشون بدونه، وقد أمرهم رسول الله ﷺ بتعليم القرآن وإقرائه.

4 – شيوخ الزوايا، لأن الهدف الأساس من إنشائها تعليم القرآن وعلومه، ولولا القرآن ما كانت لهم تلك المنزلة الرفيعة في المجتمع، فالواجب عليهم استثمار جاهِهم وعلاقاتهم في إعادة فتحها.

5 – الآباء والأمهات، لأنّ رسول الله ﷺ أمرهم بتأديب أولادهم وتعليمهم القرآن، وبه يُكسيان تاجَ الوقار يوم القيامة.

6 – الطبقة المثقفة على وجه الخصوص والأمة جمعاء على وجه العموم، لقوله تعالى:{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران:104] وهل هناك أعظم خير من التعليم القرآني؟ وهل هناك أكبر مُنكر من إماتة التعليم القرآني؟

وقال الإمام ابن باديس-رحمه الله-: إنّنا نُربّي- ولله الحمد – تلامذتنا على القرآن ونوجه نفوسهم إلى القرآن مِن أول يوم وفي كل يوم، وغايتُنا التي ستتحققُّ: أن يُكَوِّن القرآنُ منهم رجالا كرجال سلفههم، وعلى هؤلاء الرجال القرآنيين تُعَلِّق هذه الأمة آمالها، وفي سبيل تكوينهم تلتقي جهودُنا وجهودُهم (المدرسة البادسية71).

فلنتقّ الله في التعليم القرآني ومدارسه وزواياه، ولنجعله أَولى اهتماماتنا، لأنه ينبوع كلِّ خير، وشفاءٌ لِما في صدورنا وأبداننا، وأمانٌ لنا مِن مصائب الدنيا وأهوال يوم القيامة، ولنسارع إلى إحيائه، لأنه لا يجوز شرعا ولا عقلا وعدلا الاستمرارُ في غلق المدارس القرآنية والزوايا في الوقت الذي فُتِحت فيه جميع المدارس والروضات، عِلما أنّ أهل القرآن وعُمّار المساجد هم أشدُّ الناس التزاما بالإجراءات الوقائية بشهادة الجميع، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى