دور المدارس الفرنسية الإسلامية في الصحوة الوطنية الجزائرية

 

   ألقى الدكتور محمد ختاوي ،خريج المدرسة الفرنسية- الإسلامية لتلمسان  وعضو الجمعية الوطنية لقدامى المدرسيين وأستاذ  محاضر في جامعة الجزائر3  بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية محاضرة هامة حول دور المدارس الفرنسية الإسلامية في قيام الصحوة الوطنية، وذلك يوم الأحد السادس   أفريل 2014 بالمجلس الإسلامي الأعلى تحت إشراف رئيسه الدكتور أبوعمران الشيخ وبحضور نخبة من الشخصيات الوطنية من الوزراء السابقين والباحثين وقدامى المدرسيين، وجاءت المحاضرة لتلقي الضوء على مرحلة أساسية في مسار تكوين النخب الجزائرية، وتطور الوعي الجزائري الوطني.

ومما جاء في محاضرة الدكتور محمد  ختاوي ما يلي: ” لم تكن المدارس الفرنسية الإسلامية في تاريخ السياسة التربوية الاستعمارية في الجزائر أبدا موجهة  نحو ما قيل عنه أن الإدارة الفرنسية كانت حاملة  للقيم  الحضارية. في الحقيقة، كانت هذه السياسة، جد بطيئة لفرض قانون “جول فيري” (Jules Ferry)، من جهة، ومن جهة أخرى، لفرض التدخل الفوري الاستعماري باعتباره بداية لحملة تتميز بسياسة التواصل مع الأوروبيين  قصد التحضير للمستقبل مع شركاء من الأهالي في بيئة تغلب عليها الطبيعة العربية-الإسلامية.  إن هذه السياسة ظهرت في حقيقة الأمر عملية متناقضة للغاية كانت تبحث لمُصدّريها على أقل فعالية من حيث عدد الجزائريين الذين كانوا يرضخون تحت منظومة تربوية استعمارية عوض عن سياسة اتصالات وتواصل مع الأوروبيين. ولكن، كل هذا كان من شأنه أن يتحول ضد المستعمر فيما بعد.

ومن أجل تطبيق سياسة التواصل بين المحتلين الفرنسيين والأهالي الجزائريين وإدارة ما يسمى ب “المكاتب العربية”،  كان من الضروري للإدارة الفرنسية تكوين القضاة  cadis، وما كان يسمى ب “العادل” ، و”الباش عادل” والمترجمين tordjmanes وأئمة المساجد وكل الموظفين العاملين في شؤون الفقه الإسلامي. إلا أن هؤلاء الموظفين  لم يتم تكوينهم إلا في المدارس الخاصة التي ستشرع فيها الإدارة الفرنسية،  على غرار ما كانت تقوم به المدارس الدينية، و المدارس القرآنية  بالأمس ومثل ما كان يجري في القرن الحادي عشر و الثاني عشر، مع أن هذه التقاليد القديمة  أهملت نوعا ما من قبل الأتراك، وفقا لما ذكره شارل جانييه (Charles Janier)  في مجلة : “الذاكرة الحية”، رقم 46” (من مركز الوثائق التاريخية في الجزائر ، 2010).

وهكذا، كرست الإدارة الاستعمارية هذا المشروع بإصدار مرسوم 30 سبتمبر 1850الذي تم بموجبه تأسيس 3 مدارس فرنسية-إسلامية في الجزائر:الأولى في مدينة المديّة بوسط البلاد  لتتحوّل فيما بعد إلى الجزائر العاصمة، وأخرى في قسنطينة لتغطية المنطقة الشرقية، والثالثة في تلمسان للمنطقة الغربية. وفي الوهلة الأولى، كانت المهمة الرئيسية لهذه المدارس إعطاء تعليم خاص بالدروس القانونية والدينية والأدبية لتمكين متخرّجي هذه المدارس من الحصول على المناصب العليا الإدارية والدينية والقانونية تكون الإدارة الفرنسية في حاجة ماسّة إليها لتدخل عليها إصلاحات فيما بعد تجعلها تتقارب مع الثانويات العادية الأخرى التي تتماشى والعصر الحديث. ولما تحققت هذه الأهداف، تم توحيد المدارس مع الثانويات في أواخر الخمسينيات.

 وبأمر صدر في 16 يناير 1876، استبدلت السلطة العسكرية بالسلطة الأكاديمية  في تسيير هذه المدارس. وكان يتطلب على المترشّحين الناجحين أن يكون عمرهم  17 سنة على الأقل و 25 سنة على الأكثر. وكانت الدراسة  تستمر ثلاث سنوات ، مع شهادة بعنوان “شهادة الأهلية للدراسات الإسلامية.

. إن المهام الإدارية التي كانت تنتظر الموظفين المسلمين المتخرجين من هذه المدارس كانت في الحقيقة تلك التي خصصها لهم المستعمر في إطار التمييز المخصص لهم من قبل النظام الاستعماري والذي يخدم مصالحه مع الشريك المثالي أي “الأهالي”.كانت الحدود مرسومة مسبقا، والخيارات مسطرة للجزائريين المسلمين حيث أن سياسة المستعمر كانت تستثنى   هؤلاء من المنافسة مع الأوروبيين، مما كانت تمكّنه من خدمة أغراضه الاستعمارية.

ومع ذلك ، كان دور المدارس الفرنسية-الإسلامية  التي  أنشأتها الإدارة الفرنسية ليس فقط لتكوين موظفين في المستقبل في شؤون الفقه الإسلامي كالأئمة والقضاة، والمعلمين بالعربية mouderrès ، ولكن أيضا المترجمين باللغتين العربية والفرنسية لتسهيل ترجمة الكتب والوثائق الرسمية في كلا اللغتين، وكذا في تفسير الحوار المتواصل  بين الأوروبيين والجزائريين الأصليين أو ما يسمى ب”الأهالي”.

هذه الحاجة الماسة للترجمة أدت إلى إنشاء مؤسسات حقيقية لدعم هذا النمط من الاتصالات،. ولما أصبحت اللغة العربية لغة رسمية بعد الاستقلال في مشهد وبيئة تأثرتا بشدة باللغة الفرنسية، أصبحت تكوّن تحدي أمام لغة العدو إثر تكوين عدد معتبر من الإطارات القادرين على تحمل المسؤولية تجاه إدارة بلادهم المستقلة.

وقد تم تكوين عدد كبير من كبار المسؤولين التنفيذيين للأمة في هذه المدارس الدينية بما في ذلك أكثر من ثلاثين وزيرا، وخمسين سفيرا، مع نفس العدد للولاة ، وكمية كبيرة من كبار الضباط سواء في الشرطة أو في الجيش، أو مدراء في شتى الميادين، وأساتذة في الطب، وأساتذة جامعيين، وباحثين، وأكاديميين وكبار موظفي الدولة، وأطباء، ومحامين، ومهندسين معماريين، ومتخصصين في مجال الفيزياء النووية، إلى غير ذلك من الاختصاصات.

والجدير بالذكر أن الحركة القومية الجزائرية تشكلت  متأثرة بالقومية العربية العامة للصحوة العربية سواء في الشرق العربي أم في المغرب العربي.  وفي الجزائر، تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في عام 1931 تحت قيادة الشيخ عبد الحميد بن باديس بعد تأسيس “نجم شمال أفريقيا” التي أنشأها الأمير خالد، حيث تولد عنه “حزب الشعب الجزائري” سنة 1937، برئاسة مصّالي الحاج.

وهكذا، فإن تعليم اللغة العربية ومبادئ الإسلام، وتدريسها حتى من قبل المستعمر كانت بدون شك أداة فعالة لرفع مستوى الوعي الوطني الجزائري ولو كانت للإدارة الفرنسية أنانية ومخططات استعمارية مبيّة ، حيث أن اللغة العربية والإسلام والثورة الجزائرية كانت واحدة موحدة وإسمنتا خدم الصحوة القومية في هذه الحركة بين المغرب والمشرق بانتمائها لهذه الوحدة”.

وبعد المحاضرة فتح باب المناقشة وكان من بين الحاضرين من أثنى على المحاضر لتناوله هذا الموضوع المهم وكان هنك أيضا من وجه الانتقاد لمضمون المحضرة ومن أبرز المتدخلين في هذاه النقطة  الأستاذ الشاعر عبد القادر السائحي الذي لاحظ أن عنوان المحاضرة لا ينطبق مع النتائج المتوسل إليها في عرض المحاضر حيث تبين أن المدارس الفرنسية الإسلامية لم تكن هي محرك الصحوة الوطنية وإن كان بعض المتخرجين منها قد ساهموا في معارضة السياسة الاستعمارية وبرز منهم عدد محترم من المجاهدين والقادة والشهداء  في ثورة التحرير وضرب مثالا بالشهيد محمد الأمين العمودي وهو من طلبة هذه المدارس، الذي حرم من مواصلة التعليم في ثانوياتها بسبب انتقاداته الصريحة لإدارة المدارس الفرنسية الإسلامية التي كانت مسخرة لخدمة أهداف الاستعمار.ولاحظ الدكتور أبوعمران الشيخ أن تشعب الموضوع يقتضي برمجة محاضرات أخرى مكملة للإحاطة بكل جوانب الموضوع المتشعب والحساس.

Exit mobile version