كشفت تسيبي ليفني، الوزيرة الصهيونية المكلفة بملف التفاوض مع السلطة الفلسطينية، منذ أيام أنها قامت بـ 11 زيارة سرّية إلى عدة بلدان عربية خلال خمسين يوماً، وانتزعت من قادتها وعوداً قاطعة بوقف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية بهدف دفعها إلى مواصلة عملية التفاوض مع الصهاينة إلى غاية توقيع اتفاق “سلام” معهم، وأكدت ليفني ثقتها بأن القادة العرب الذين التقتهم سيلتزمون بتعهدهم لها بدليل أنهم وعدوا من قبل بدفع مليار دولار للقدس، ولكن بمجرد اعتراض الكيان الصهيوني على ذلك، تملصوا من وعودهم ولم يدفعوا لصالحها دولاراً واحداً.
بقلم: حسين لقرع
تعيش القضية الفلسطينية في الأشهر الأخيرة أياماً أخرى حالكة السواد في تاريخها، فقد اشتدّ الحصارُ الصهيوني- المصري المشترك على قطاع غزة، وتفاقمت معاناة سكانها، وأصبح القطاعُ على وشك كارثة إنسانية. أما في الضفة، فإن الوضع يتجه إلى مصير مشابه إلى حدّ ما، في ظل تهديد القادة الصهاينة بحصار السلطة الفلسطينية مالياً بهدف إرغامها على الاعتراف بما أسموه “يهودية إسرائيل”، وفي نفس الوقت، فإن الدول العربية الثرية تتجه أيضاً إلى محاصرة السلطة الفلسطينية مالياً للضغط عليها وإرغامها على مواصلة المفاوضات إلى غاية توقيع “اتفاق سلام” مع الصهاينة، حسب تسيبي ليفني التي كشفت أنها زارت عدداً من الدول العربية سرا، وانتزعت منها وعودا بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية إذا لم تواصل “مفاوضات السلام”.
ومع أن الوزيرة الصهيونية التي تلوّثت يداها بدماء نحو 1500 فلسطيني في حرب غزة (25 ديسمبر 2008- 18 يناير 2009) حينما كانت وزيرة خاررجية الكيان الصهيوني، لم تكشف عن هوية الدول العربية التي زارتها، فإن الاحتمال الأرجح يشير إلى بعض دول الخليج التي تشهد علاقاتُها مع الكيان الصهيوني في الأشهر الأخيرة تقارباً متسارعاً؛ وقد كشفت وسائل إعلام دولية كثيرة عن لقاءات عديدة بين مسؤولين خليجيين وصهاينة منذ أشهر، تطرّقوا فيها إلى قضايا عديدة وفي مقدمتها النووي الإيراني الذي أصبحت دولُ الخليج تراه “خطراً؟” عليها أيضاً وليس خطراً على الكيان الصهيوني فقط، وقد ارتفعت وتيرة هذه اللقاءات منذ توقيع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى إتفاق جنيف مع إيران، والذي صدم بعض الدول الخليجية وأثار حنقها ودفعها إلى التقرّب من الكيان الصهيوني للنظر في إمكانية قيامه بعدوان عسكري على إيران لتدمير برنامجها النووي ما دامت الولاياتُ المتحدة قد “خذلتها” ووقعت اتفاقاً مع إيران لمعالجة ملفها النووي سلمياً، عوض شنّ حرب عليها لتدميره.
ولقد دفعت هذه اللقاءاتُ المتكررة رئيسَ الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى أن يصرح مؤخراً أمام مؤتمر منظمة “إيباك” الصهيونية قائلاً “صدّقوني أن حكاماً عرباً عديدين أخبرونا أنهم لا يرون في (إسرائيل) عدوا، وسنوفر الظروف التي تسمح بأن تخرج علاقاتُهم معنا إلى العلن”.
ويبدو أن هذه اللقاءات قد سمحت للكيان الصهيوني بأن ينجز مكسباً إضافياً من خلال إقناع الدول الخليجية بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية كوسيلة للضغط عليها من أجل إرغامها على تقديم مزيد من التنازلات للصهاينة، حتى يتوصل الطرفان إلى توقيع “اتفاق سلام” في نهاية مفاوضاتها، وفقاً للشروط الصهيونية وفي مقدمتها شرط الاعتراف بـ”يهودية” ما يُسمى “إسرائيل”، وهذا مقابل القيام بهجوم عسكري واسع على إيران لتدمير مفاعلاتها النووية التي أضحت ترعب القادة الخليجيين، أكثر مما ترعب الصهاينة، وبعدها يتعاون الطرفان على إسقاط نظام الأسد مقابل تنازل المعارضة السورية نهائياً عن الجولان للصهاينة كمكافأة كما اقترح أحدُ قادتها مؤخراً، ثم القضاء على حزب الله لاحقاً كتحصيل حاصل.
وفي السِّياق نفسه، عبّر الكثيرُ من القادة الصهاينة عن ارتياحهم العميق لقيام بعض الدول الخليجية بتصنيف الإخوان المسلمين “منظمة إرهابية” وأكدوا أن هذه القرارات ستساهم في تجفيف منابع تمويل حركة حماس وإحكام الحصار عليها، في الوقت نفسه الذي تواصل فيه السلطة الانقلابية في مصر حربها على الأنفاق دون هوادة، ما يمنع وصول المزيد من الصواريخ والأسلحة إلى المقاومة الفلسطينية.
وقال وزيرُ القضاء الصهيوني الأسبق يوسي بيلين إن هذا القرار يدل على عودة “محور الاعتدال العربي” إلى الحياة مجدداً، بعد أن غاب عن الواجهة فور قيام الربيع العربي، ما أثار ارتياح دوائر صنع القرار والنخب المثقفة في تل أبيب. ويؤكد بيلين أن عودة “محور الاعتدال” إلى النشاط بهذه “الفاعلية” يشكل “مصلحة مهمّة” للكيان الصهيوني، ويصب في صالحه بشكل مباشر أو غير مباشر، ونبّه إلى أن هذا المحور كان في الماضي يضطرّ إلى اتخاذ خطوات مجاملة لأطراف معادية للصهاينة، لكنه الآن يشن عليها حرباً لا هوادة فيها.
هي اعترافات تؤكد حجمَ التآمر على المقاومة في غزة لتركيعها للصهاينة، والسلطة في رام الله لتحقيق نفس الهدف والتوقيع على اتفاق “سلام” ذليل تتنازل فيه عن كل شيىء، وتقبل بتصفية القضية الفلسطينية مقابل “دولة” هزيلة منزوعة السلاح وبلا سلطة، فضلاً عن التآمر على إيران وسوريا.
لكن هذه المؤامرات كلها قد تسقط وينقلب السحرُ على الساحر؛ فقد ينتفض الفلسطينيون على أي اتفاق تمضيه سلطتُهم مع الاحتلال تحت الضغط العربي، ويُسقطون الاتفاقَ والسلطة معاً ويعلنون قيام الانتفاضة الثالثة والعودة إلى خيار المقاومة، وقد تصمد إيران أكثر وتُفشل المؤامرة الصهيونية مع “حلفائها” الجدد من الأعراب، وقد تضيق شعوب هذه البلدان المتآمرة ذرعاً ببيعها القضايا العربية وطعنها للأمة في الظهر، فتنتفض بدورها وتضع حدا لمسلسل الخيانات والتآمر.