لا يختلف عاقلان على صعوبة المرحلة الحالية التي تعيشها الجزائر سياسيا واجتماعيا وما يتصل بهذين المجالين المهمين، بسبب تعدد الرؤى واختلاف المصالح في المسار المستقبلي الذي يجب عليها أن تسير فيه.
وبعيدا عن محاكمة النيات، أو الانحياز إلى طرف ضد طرف آخر، أقول: إن ما حدث في بعض بلدان “الربيع العربي” كان نذيرا للمسئولين في بلادنا لكي يعيدوا النظر في السياسات العامة التي أطّرت الوطن في جميع المجالات منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، ولا يتعاملوا مع هذه المرحلة بعقلية “أزمة وتمر” أو بحل “آخر الدواء الكي”..!
وكان مأمولا من كبرائنا أن يتأقلموا مع الوضع العربي الجديد بالسعي من أجل التغيير الحقيقي بحكمة وبصيرة، والتأسيس لمرحلة الحياة السياسية التي يلعب فيها الشعب دورا فعليا في اختيار من يرى فيه “الأهلية” ليقوده في هذا الواقع الداخلي والخارجي الخطير، من دون اللجوء إلى التهديد والوعيد وتبادل التهم والشتائم..!
ولكن المسار نحو التغيير الإيجابي-حسب رأي الخاص- في إطار الشفافية والنزاهة كما هو معمول به في البلدان المتحضرة يكاد يكون حلما بعيد المنال، وأثر ذلك يظهر في اللعب الذي اشتد تحت الطاولة بين أجنحة متشاكسة في “السلطة”، والمواقف السياسية والتصرفات الشعبوية والتعليقات غير المسؤولة من بعض المحسوبين على صناع القرار في بلدنا، وهذا ما جعل جماهير غفيرة من الجزائريين لا تؤمن بصدقية أي انتخابات تنظمها إدارة يصدق فيها بعض قول المتنبي حين خاطب سيف الدولة:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
ولعل ما يجعل القلوب تبلغ الحناجر هو ضعف المعارضة التي فقدت الكثير من المصداقية في الشارع وهي غير قادرة -فيما يبدو- على احتوائه سواء في ساعة الرضا أو الغضب، والشارع إذا فقد من يقوده في المسار المستقيم نحو الوجهة الصحيحة، تعددت المسارات وأخطرها المسار الذي يتبنى العنف على طريقة “شمشون”: “علي وعلى أعدائي”..!
إن التغيير قادم كما دلت على ذلك السنن الاجتماعية في الذين خلوا من قبل، فبقاء الحال على ما هو عليه من المحال، ولكن الحكيم من اعتبر بغيره، واستدرك أخطاءه..!
بيد أن التغيير الذي نريده هو التغيير الذي ينتج من “التوافق الاجتماعي” الذي لا يقصي أحدا من الجزائريين، ويكون الشعب الجزائري هو السيد الحقيقي في تقرير مستقبله بعيدا عن الآبائية السياسية التي كبَّلت حريته ولم تتركه منذ عقود يختار بنفسه لنفسه..!.