مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
تحاليل وآراء

ألغام التاريخ، أم أوهام الأنانية؟!(2)

 ABDOUS حقا لقد فاجأ المجاهد ياسف سعدي المتابعين، وصدم جزء كبيرا من الرأي العام الوطني، وعرّض صورته كبطل من أبطال الثورة إلى الاهتزاز والانتقاص في أعين المعجبين به، وفي رأي جميع الغيورين على مآثر الثورة التحريرية المجيدة ورموزها التاريخية المشعة بإقدامه على الاستهانة بتضحيات رفاقه من الشهداء والشهيدات والمجاهدين وقادة الثورة، وتقديم صورة شائهة ومشوهة عنهم للأجيال التي تظل عرضة للغزو الثقافي وحرب التضليل والتسميم الفكري التي مازالت فرنسا تخوضها ضد الجزائر في شتى المجالات.

بعد يومين فقط من الهجوم الصحفي الذي شنه ياسف سعدي على البطل الشهيد العربي بن مهيدي، حاول مراوغة الرأي العام والأسرة الثورية الغاضبة بالقول إنه لم يكن ينوي بتصريحه التقليل من المكانة الكبيرة للقائد الشهيد العربي بن مهيدي، مؤكدا أن هذا الأخير كان قائده وقدوته في الثورة، وأنه لو طلب منه الحصول على مسدس للقيام بعملية حربية ما كان ليمنحه له، لأن العربي بن مهيدي لم يكن ميسرا لمثل هذه الأعمال الصغيرة التي كان بإمكان آلاف الفدائيين المتواجدين في العاصمة آنذاك القيام بها، ولكنه كان القائد الأعلى الذي يشرف ويخطط ويثمن الأعمال الثورية في الميدان السياسي والدبلوماسي والإعلامي.

ولكنه مع ذلك تمسك بتصريحه المثير للجدل حول نية الشهيد محمد العربي بن مهيدي الفرار من العاصمة أثناء الإضراب مع مجموعة التنسيق والتنفيذ والتوجه إلى تونس، وأقسم بالله أن الشهيد بن مهيدي لم يكن بالعاصمة، كما أنه لم يكن مطلوبا يوما من طرف السلطات الاستعمارية، لأنه كان في لجنة التنسيق والتنفيذ التي كانت تسير الثورة في كل أنحاء الوطن، وأنه استقبله عندما جاء أول مرة إلى القصبة وهو الذي كان يصدر له بطاقة التنقل في العاصمة.

ويبدو أن ياسف سعدي نسي ما سبق أن قاله في إحدى شهاداته عن الشهيد العربي بن مهيدي بأنه تنقل إلى العاصمة في سنة 1956 للتحقيق في طبيعة التفجيرات التي كانت تهز العاصمة للتأكد من أنها ليست من تنفيذ الحزب الشيوعي الجزائري الذي كان في صراع مع الحكومة الفرنسية من جهة، ومع جبهة التحرير الوطني من جهة أخرى، ولما تأكد بن مهيدي أن التفجيرات كانت أعمالا ثورية من تنفيذ شبكة ياسف سعدي في القصبة، قرر البقاء والإشراف شخصيا على قيادة معركة الجزائر.

تصريحات العقيد ياسف سعدي أثارت رد فعل سريع وصريح من طرف دحو ولد قابلية وزير الداخلية والجماعات المحلية السابق، ورئيس جمعية قدماء “المالق” (التسليح والاتصالات) والذي أكد أن العربي بن مهيدي قد حجز لنفسه حيزا كبيرا في الهجوم على حرس الغابات بمنطقة “حفر” بمرتفعات تلمسان وقاد الهجوم شخصيا رفقة حوالي 10 أشخاص آخرين من بينهم محمد بوزيدي الذي عرف بعد ذلك باسم “عقب الليل” الوهراني، وأضاف ولد قابلية: بأن من يقود هجوما مسلحا يحمل بالضرورة سلاحا ويطلق النار.

وكشف كذلك أن تخلي الشهيد العربي بن مهيدي عن منطقة وهران كقائد للمنطقة والتحاقه بالعاصمة كان بطلب من الشهيد عبان رمضان مهندس مؤتمر الصومام الذي أعلمه في نهاية 1955 وبداية 1956 بأنه يحبذ استقدامه إلى جانبه لخوض المعركة السياسية معا كسبيل وحيد في هذه المرحلة من الكفاح لضمان التمثيل بصفة جيدة ودائمة لمسيرة الثورة، إضافة إلى أن الشهيد العربي بن مهيدي كان من قادة المنطقة الخاصة (OS) وكان –حسب شهادة دحو ولد قابلية- بين سنوات 1950 و1954 المنظم والمنشط للعمليات العسكرية، وأن قدر بن مهيدي فرض عليه كقائد تكوين رجال وقيادتهم للمعركة من جهة، ومن جهة أخرى اقتطاع مكانة لجبهة التحرير آنذاك، وأن المستقبل الذي أعقب تلك المرحلة يؤكد أن بن مهيدي لم يمكن بحاجة في منصبه كقائد عسكري لحمل السلاح وإطلاق الرصاص.

ورغم هذه التصريحات غير المنضبطة نضاليا وغير الدقيقة تاريخيا إلا أن ياسف سعدي قد تعرض بدوره إلى موجة من التشكيك والتجريح حتى أن هناك من اتهمه بالخيانة والوشاية بالشهيد علي لابوانت كما سبقت الإشارة إلى ذلك في المقال السابق، وأن ياسف سعدي قد تعرض إلى حكم الثورة عليه بالإعدام في سنة 1955، وهي أقوال فاقدة للدليل والمصداقية على كل حال، كما أن وزيرة الثقافة خليدة تومي تكون قد تجاوزت حدود اللياقة والإنصاف في دفاعها الحماسي عن شرف المجاهدة زهرة ظريف بيطاط عندما قالت ردا على تلميحات ياسف سعدي ضد زهرة ظريف بيطاط بكونها سببا في إفشاء سر مخبأ الشهيد علي لابوانت ورفاقه: “راحت الرجولة، ولم يبق إلا حركى يهاجمون نساء الجزائر ومفخرتها”!

قد يكون ياسف سعدي سكت لمدة نصف قرن ثم قرر أن يفرغ جعبته بما حملت من حق وباطل، ولكنه لا يمكن تصنيفه في خانة الحركى وإلا أصبح تاريخ الجزائر المجيد مجرد حقل ألغام قابل للتفجير في أي وقت وبواسطة أي مدعي للبطولة او حاقد على استقلال الجزائر.

ولكن يبدو أن ياسف سعدي الذي اكتفى في شبابه بتمثيل دور صغير وهامشي في فيلم “معركة الجزائر” سنة 1966، أراد بعد أن تجاوز سنه 86 سنة –أطال الله عمره- أن يسترجع دور البطولة المطلقة في شهادته عن معركة الجزائر.

ولم يتردد في القول بأنه هو الذي فاوض الجنرال ديغول الرئيس الفرنسي الأسبق بواسطة العالمة الأنتروبولوجية الفرنسية “جيرمان فيلون” وعرض على سلطات الاحتلال الفرنسي إيقاف عمليات تفجير القنابل في أماكن تواجد الكولون (المعمرين) مقابل إيقاف السلطات الفرنسية لتنفيذ حكم الإعدام في المجاهدين المسجونين المحكوم عليهم بالإعدام.

وقد قبل الجنرال ديغول هذا العرض وأمر بإيقاف تنفيذ حكم الإعدام ابتداء من سنة 1958، هل هذه حقيقة تاريخية، أم أنها انتفاضة للأنانية؟!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى