في أجواء الشروح للانتخابات الرئاسية المقبلة، يحسن أهل التوضيح، ومقدمي الوعود المعسولة أن يتجاوزوا الحديث عن الأعمال المؤقتة، إلى الحديث عن الأعمال الدائمة، ومنها مسألة مقاومة التصحر، وهي مهمة تتطلب الدراسة، وتقدير الجهود اللازمة فكريا، وماليا، وعضليا، وفي هذا العمل عبادة لله تعالى كما يرشد إليها ديننا الإسلامي الحنيف.
بقلم: إبراهيم قمور
وقد أحيينا يوم السبت الماضي عيد الشجرة، وعرضت وسائل الإعلام مشاهد تبين الحرص على التشجير، ومقاومة أمواج التصحر المهدد لعوامل الاستقرار، وهو عيد يختلف جوهريا عن كافة الأعياد والمناسبات، وقد شهد الاحتفاء به غرس آلاف الشجيرات في أنحاء الوطن، وذلك لمناهضة التصحر عمليا، وإيقاف خطواته السريعة نحو المناطق المخضرة بالغطاء الغابي النباتي، وكانت الأشهر الماضية قد عرفت أعمالا تشجيرية متلاحقة، امتدت على مساحات واسعة، وشارك فيها الجيش الوطني الشعبي، وعدد من المنظمات الشبانية، من بينها الكشافة، والحقيقة الساطعة أن العناية بالشجر والتشجير واضحة معالمها عبر العالم، ولكن بالنسبة إلينا فهذه الأهمية تزداد قوة ومطلبا ثابتا، لماذا؟
لأن الغطاء الغابي عندنا قد تعرض إلى الحرق والتخريب، والاقتلاع أثناء الثورة التحريرية، مع شيء من الإهمال فيما بعد، ورغم كثرة التشجير فإنه لم يحقق المطلوب، ففي المدرسة يقال: إن الأشجار تحفظ التربة من الانزلاق، وتمتص غاز الفحم، ثم ترسل الهواء الصافي الذي ينعش الصدور والقلوب، ويبعث الانشراح في النفوس والعقول، والفكرة الأساسية هنا هي غرس الشجيرات عندنا لا ينبغي أن يتوقف أثناء كافة الفصول، مع رعايتها بالسقي وقت الجفاف، وشدة الحرارة، لحمايتها من هجوم الموت عليها بأسباب مختلفة، وإلى جانب فوائد الأشجار التي تعرض في مؤسسات التربية والتعليم باختصار شديد، هناك فضائل الظلال والثمار، وتخفيف حدة القلق والضيق، ولذلك يلجأ إليها بعض الشعراء والكتاب، لأنها تقدم إليهم الخيالات، والصور المؤثرة، المشحونة بالجمال والترتيب على أساس أنها جزء حيوي من البيئة المحيطة التي تجعل الإنسان يتمتع بحياة صحية بعيدة عن مخالطة الأمراض المؤلمة الناجمة عن التلوث الذي طالما هدد طاقات الناس، ودفعهم إلى ألوان من الخوف والإضراب، والبحث الذي لا ينقطع عن وسائل وأسباب العلاج.
ولهذا ولأكثر منه، فمن واجبنا الأكيد –نحن الجزائريين- الاندفاع حسب مخططات في أعمال التشجير بصورة متواصلة، ونتجاوز غيرنا في ذلك، لأن ريح التصحر تهددنا، وكل تغافل في هذا الشأن ينتج عنه انفتاح الباب أمام التصحر المدمر للمناطق المخضرة، إذا لم يجد المقاومة الكافية، ولذلك ينبغي الثبات في الحرص على غرس الشجيرات، وسقيها فيما بعد، ورعايتها، حتى تنال حظها من النمو والاستقرار، إذ لا يعقل أن يقع هذا الغرس في الشتاء والربيع، ثم يترك للعطش والموت في فصل الصيف، ومن أغرب ما يشاهد في الواقع، هذا الإهمال والتفريط الذي يعترض حملات غرس الشجيرات، ودعم نموها على أساس أنها من عناصر البيئة المحيطة التي يتوجب حفظها من عبث الصغار والكبار، ومن العطش والدمار، ويمكن أن يجلب لحماتها التراب والماء من مناطق بعيدة بواسطة الشاحنات الكثيرة والمستعدة، ومن الملاحظات الصادقة أن الأحاديث في غرس الشجيرات وفي حماية البيئة كثيرة ومتشعبة، ولكن الأعمال الموجهة للقضية تعد قليلة ومتباعدة، وموسمية بشكل عام، وديننا الإسلامي الحنيف يرشدنا بأوامر إلى صناعة بيئة تتضمن كل ما فيه الخير والجمال، والمتعة الصحيحة والذوقية، ولذلك تجده ينكر تلويث المياه، ويحرم كل ما يسيء إلى المظاهر العامة، والمصادر الجذابة، ومن أعجب ما يعرضه علينا الواقع أن الخطباء الوعظيين يكررون الدعوات إلى رعاية البيئة، وحفظها مما يزعج وفسد طعم الهناء، وإلى احترام الغطاء الغابي والنباتي، لكننا نشاهد هنا وهناك أكواما من بقايا الأشياء والأكياس تعبث بها الرياح، وكأن الذين يشاهدون تلك المشاهد يتحركون وهم في نوم عميق، مثل الذين يخبر عنهم القرآن الكريم بأنهم ينظرون ولكنهم لا يبصرون، ولعلهم ينتظرون أن تتولى البلديات تنظيف منازلهم من الداخل.
إذن فنحن في أشد الحاجة إلى أحاديث تبين خطر التصحر، وإلى أعمال جبارة لمقاومته، وهذا يقتضي منا تربية تقدر جمال الأشياء، وحب الاخضرار فيما حولنا، وتكون الاستطاعة لذلك بعواطف تمثل ينبوعا دافقا، ومصدرا حيويا لا يجيز التفاخر بالإنجاز… ومعلوم أن العواطف التي لا يدعمها جهد متصل، وعقل مدبر هي أشد أنواع العواطف ضياعا، لأن ضررها يكون أكبر من نفعها، لماذا؟ لأنها تهدر الطاقة، وتترك أصحابها في حيرة من أمرهم، وقد تخلى عنهم الفكر المرشد إلى الصواب، ولا يحق أن تسيطر الإعدادات للانتخابات الرئاسية على تقديم الوعود التي قد لا تكون ميسورة فيما بعد، وتنسى شؤون الأعمال الثابتة التي ترافق الزمن في مسيرته المعلومة والمجهولة غالبا، وليكن التشجير ونظافة البيئة عملا دائما، وشعارا متواصلا عندنا.