مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

قريش والمعاني المستفادة من اصطفائها/د.عبدالحفيظ بورديم

44  إنّ معرفة من أنزل فيهم القرآن وبعث منهم الرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام لمن موجبات التفكر في أمر الرسالة الخاتمة التي ستظهر الاسلام على الدين وتظهر المسلمين على الناس أجمعين، وهو التفكر الذي يستعين بتقلبات التاريخ وضبط الأنساب والتفرس في الخصائص الفطرية والكسبية.

وبيّن أنّ قريشا هي التي حازت هذا الفضل لتكون النواة الأولى لتشكيل الأمّة الموعودة بتغيير مسار الإنسانية وحملها على استعادة وظيفتها الكونية. ولكن من هي قريش؟ وما نسبها؟ وما خبرها؟

يذهب أهل اللسان إلى أنّ قريشا مأخوذة من التقريش بمعنى التجميع، ويؤوّلون ذلك بأنّ النضر بن كنانة بن خزيمة بنمدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان هو أوّل من جمع ذويه فسمي قريشا لتجميعهم، وقد قال ابن خلدون في تاريخه:” النضر هو الذي يسمى قريشا. وإنما انتسبوا إلى فهر لأن عقب النضر منحصر فيه لم يعقب من بني النضرغيره فهذا وجه القول بأن قريشا من بني فهر بن مالك أعني انحصار نسبهم فيه وأما الذي اسمه قريش فهو النضر“.

ولكنّ خزاعة غلبت على مساكنهم في مكة، حتى استردّها منهم قصي بن كلاب، ولذلك يسمى قريشا الأصغر، فجعل ذويه قسمين الأباطح (الذين يسكنون بطحاء الحرم وهم بنو قصي وبنو عدي وبنو زهرة وبنوتيم وبنو مخزوم)  والظواهر وهم الذين يسكنون البادية.

وكانت السيادة في بني مخزوم من بني قصي، وكانت سدانة البيت الحرام في عبد الدار من بني قصي، وصارت النبوة في بني هاشم من بني قصي. فكأنّ بني قصي من بني كنانة من بني إسماعيل هم الصفوة المختارة والفئة المجتباة لحمل الرسالة وحفظها.

وقد حفظ القرآن هذه الوقائع بتركيز دلالي معجز في سورة قريش ((لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيِلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ )) قريش 1-4.

دلّ الايلاف على معنى الائتلاف وهو بمعنى التجميع وفيه إخبار بدور كنانة وقصي في تجميع القبائل والعمائر والبطون، وفيها تنبيه إلى رحلتي الشتاء والصيف وهو تنبيه إلى ضربهم في الأرض ومعرفتهم بالآفاق واطلاعهم على أحوال غيرهم، وفيها تركيز على موضع سكناهم وهي البيت الذي بمكة  وهو خبر عن امتداد نسبهم إلى إسماعيل عليه السلام، وهي تذكير بفضل الله على قريش حيث أطعمها وآمنها وهو خبر عن استقرارها ومنعتها.

وفي هذا البيان القرآني المعجز ما يومئ إلى الارهاص الأول بأنّ النبوة الخاتمة ستكون في هذه الديار، فالدار هي مكة التي بناها إبراهيم أبو الأنبياء صلى الله عليه وسلم، والقوم هم بنو إسماعيل الذبيح عليه السلام، والقبيلة هم قريش أهل المنعة والقوة والأمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى