الدروس الخصوصية وأساتذة جمع المال!!/أ.عبد الباقي صلاي

لست ضد أن ينال الأستاذ من متاع الحياة ما لذ وطاب، وتكون له الحظوة الكبيرة في الحياة، وأن يحوز على مداخيل شهرية بالعملة الصعبة، وليس فقط بالعملة المحلية الدينار، كما أني في المقابل إن وجهنا اللوم والعتاب لشريحة معينة من الأساتذة الذين اتخذوا ابتزاز التلاميذ باسم الدروس الخصوصية ديدنا، ومسلكا نحو جمع الأموال بغير وجه حق، فإن هناك شريحة من الأساتذة لا هم لها سوى أن تعطي علما دون أن تنال قطميرا مقابل ذلك، فقط ترنو النجاح في محيط التلاميذ، وتبلغ الرسالة المنوطة بها.
ولا أظن أن شريحة من الأساتذة المبجلين، والمحترمين التي بقيت في هذا الزمن- أين أصبح الجميع يبحث عن مداخيل مهما كانت هذه المداخيل ولو على حساب مضمون التعليم، ومضمون الأخلاق التي يتوجب على كل أستاذ أن يتحلى بها دون أي إعطاء مبررات واهية تتعلق بالواقع، وتتعلق بغلاء المعيشة – ترضى بأن تبيع العلم تحت أي اسم، وتحت أي مسمى كان.لأنها – أي شريحة الأساتذة المحترمين- تعرف كنه قيمة الأستاذ نفسه، وكنه العلم الذي تدافع عنه، وقيمة المهنة الشريفة التي إن ضاعت ضاع التلاميذ، وضاعت الأمة بأسرها فيما بعد، وهذا ما يبحث عنه الأعداء من الأمم الأخرى حتى نبقى ذيلا لهم لا نهض إلا حيث نفتح فقط أعيننا على ما يمنحونه لنا من فتات تكنولوجي.
ولست أدري صراحة من أين جاء هذا الفيروس الذي هاجم وعلق في تلابيب منظومتنا التربوية وجعلها رهينة الدروس الخصوصية، على وجه أخص.حتى أضحى بعض الأساتذة تجارا يجمعون الأموال من قبل التلاميذ، ولا يهمهم سوى جمع الأموال. وهناك من الأساتذة الذين يلقنون التلاميذ الدروس الخصوصية لا يقبل بوجود التلميذ في قسمه الخصوصي إلا إذا دفع ما يجب أن يدفعه لقاء ما يحصل عليه من علم ومعرفة حسب زعم هذا الأستاذ.ألا تعد مهانة لا نظير لها في الجزائر التي لم تكن تعرف مثل هذه الظاهرة الخطيرة!!
هناك من يظن أن ما نقوله هو إهانة للأستاذ، وفي ذات الوقت إهانة للتعليم نفسه، لكن يجب ألا نخلط بين كل الأساتذة ويجب ألا نضعهم جميعا في ذات الزمرة، لأن هناك من يقدم العلم دون مقابل، ويعتبرونه التلاميذ قدوتهم في العفاف والكفاف. لكن الأمر حقيقة لا يتعلق بهذا الصنف الذي قل في هذا الزمن وأصبح عملة نادرة الوجود. فما نقصده هي الفئة التي استغلت شغف التلاميذ وأهاليهم للنجاح، فراحوا ينظرون إلى التعليم من منظور آخر لا يقل شأنا عن أنه ابتزاز في وضح النهار، ومع سبق الإصرار والترصد.حتى أمسى الأستاذ الذي اختار سبيل التجارة في المآرب والمخازن لا يبحث إلا على كيف يملأ جيبه آخر النهار، تحت ذريعة تقوية التلاميذ في مواد معينة لاسيما الرياضيات، والفيزياء والعلوم الطبيعية.
وقد سمعت من الأساتذة الذين اختاروا هذا النهج، أنهم وجدوا ضالتهم في آخر المطاف، وبدأوا يتحسسون المال بعد أن افتقدوه من قبل، بل ذهب أحدهم إلى القول أن الدروس الخصوصية أفضل بكثير من الدروس داخل الثانويات، وأفضل بكثير من المرتب الهزيل الذي يحصل عليه آخر الشهر من الوظيف العمومي.
والأمر لا يتعلق فقط بأساتذة الثانويات، بل تعداه إلى التعليم المتوسط، والتعليم الابتدائي. وقد شكا لي أحد الآباء من أحد المعلمين الذين يقدمون الدروس الخصوصية للتلاميذ من الصف الرابع، أن ابنته تدرس لدى معلم هو نفسه معلمها في المدرسة الابتدائية، وكان القصد في الأول كما حكا لي هذا الأب أن تدرس من أجل التقوية فقط في اللغة العربية بحكم أن هذا المعلم هو معلمها ولم يكن يدر في خلده إطلاقا أن يطالب هذا المعلم ابنته بدفع مبلغا قدره 5000 دج في حصتين.
إن ظاهرة الدروس الخصوصية لم تعد هدفا في حد ذاتها، ومغزى ينحصر فقط في رفع مستوى التلاميذ، بل تعداه إلى توظيف هذا العلم – لو سميناه علما، لأن أغلب الذين يقدمون الدروس الخصوصية هم مرتزقة العلم- لكسب كثير من المال على حساب الأطفال الأبرياء، وعلى حساب سمعة المدرسة الجزائرية التي لم تكن تعرف هذه الظاهرة من قبل حتى في ظل الفقر المدقع.
ورحم الله الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي كان يقدم من عمره ومن ماله ومن وقته من أجل أن يرفع من مستوى تلاميذه، فلم يكن يفكر في أن يتقاضى أجرة على ما يقدمه لأبناء وطنه، على قلة ما في يده هو شخصيا، لكن اليوم أصبح كل أستاذ أو معلم إما يُضرب أو يفتح مرآبا ليحشر فيه عشرات التلاميذ بعد أن كان يشكو من كثرة التلاميذ في قسمه بالمؤسسة التي ينتمي إليها. ويا للعجب في هذا الزمان عندما يكون الأستاذ هو خالق الأزمات، وعديم الثقة، ومحط احتقار من لدن المجتمع فماذا ننتظر من المستقبل سوى الخراب اليباب.
المسؤولية تقع على وزارة التربية والتعليم، لتقف موقفا صارما، لتضع حدا نهائيا لمثل هذه الترهات الحقيرة التي باتت تشكل خطرا كبيرا على منظومتنا التربوية، وعلى مستقبل أبنائنا، ويجب أن يكون القرار صارما وحادا، لأن الخطر فعليا وصل إلى مداه، والمرض وصل إلى مراحله النهائية، ولم يعد الاكتفاء بالترقب والملاحظة لحل المشكل العويص والخطير في آن معا.