جمعية العلماء كما تمثلها لي الخواطر/أ.عبد الحليم بن محمد الهادي قابة
جال هذا العنوان على خاطري وأنا أفكر فيما أكتب للجزائريين عامة ولأعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين خاصة بعد المؤتمر الثالث الذي مرّ بسلام، وحقق بعض – أو جلّ – ما تعلق به مما يُرام، وترددت بادئ الرأي في العنوان الذي اخترته؛ لأنه أكبر من أن يكتب عنه مثلي، ولن يُدرك بياني عُشرَ معشارِ ما كتبه عن الشباب كما تمثله له الخواطر، إمامُ الجزائر الثاني، الشيخ البشير الإبراهيمي – رحمه الله – وأعطانا من الخير ما أعطاه. ولكن قوّى في نفسي سلوك هذا السبيل، واقتحام هذا الحمى، أمورٌ ثلاثة – بعد حسن الاقتداء بأديب العلماء- وهي: الأول: أن الكتابة في ذلك – الآن – أولوية تُعين أعضاء هذه الجمعية ومُحبّيها على تصحيح النية، وتقويم المسار، وتحقيق الأهداف والغايات. الثاني: أنني سأعبّر عن زفرات كثير من أفاضل الناس من داخل الجمعية ومن خارجها، أفضى كثيرٌ منهم بها إليَّ وهم تحترق قلوبهم على هذه الجمعية، وعلى آمالهم فيها، وعن واقع بعض شُعَبِها التي لم تكن عند حسن ظن قيادة الجمعية فيها، ولا في المكانة التي يرجوها الناس منها. الثالث: أن القرّاء وأنصار الحق الذي نزل من السماء، والذي ترفع لواءَ الدعوةِ إليه جمعيةُ العلماء، هي وغيرُها من الصادقين والأوفياء، بأمسّ الحاجة إلى الكتابة الهادفة لتحقيق المعالي والكمالات، ولرأب الصدع وإبعاد الجهالات، وتقريب العاملين والراغبين إلى ميدان العطاء والتضحيات، وليسوا بحاجة إلى كثرة التفصيلات والتفريعات، خاصة في ما نمرّ به من ظروف عويصات. فقلت، مستعينا بالله، مستلهما منه الرشد والتوفيق: – أتمثل الجمعية خير جمعية أُخرجت للناس- كما قال بعض الأفاضل – فهي تجمع خير ما عند الجمعيات، وتحقق ما عند كل واحدة منها م جال هذا العنوان على خاطري وأنا أفكر فيما أكتب للجزائريين عامة ولأعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين خاصة بعد المؤتمر الثالث الذي مرّ بسلام، وحقق بعض – أو جلّ – ما تعلق به مما يُرام، وترددت بادئ الرأي في العنوان الذي اخترته؛ لأنه أكبر من أن يكتب عنه مثلي، ولن يُدرك بياني عُشرَ معشارِ ما كتبه عن الشباب كما تمثله له الخواطر، إمامُ الجزائر الثاني، الشيخ البشير الإبراهيمي – رحمه الله – وأعطانا من الخير ما أعطاه. ولكن قوّى في نفسي سلوك هذا السبيل، واقتحام هذا الحمى، أمورٌ ثلاثة – بعد حسن الاقتداء بأديب العلماء- وهي: الأول: أن الكتابة في ذلك – الآن – أولوية تُعين أعضاء هذه الجمعية ومُحبّيها على تصحيح النية، وتقويم المسار، وتحقيق الأهداف والغايات. الثاني: أنني سأعبّر عن زفرات كثير من أفاضل الناس من داخل الجمعية ومن خارجها، أفضى كثيرٌ منهم بها إليَّ وهم تحترق قلوبهم على هذه الجمعية، وعلى آمالهم فيها، وعن واقع بعض شُعَبِها التي لم تكن عند حسن ظن قيادة الجمعية فيها، ولا في المكانة التي يرجوها الناس منها. الثالث: أن القرّاء وأنصار الحق الذي نزل من السماء، والذي ترفع لواءَ الدعوةِ إليه جمعيةُ العلماء، هي وغيرُها من الصادقين والأوفياء، بأمسّ الحاجة إلى الكتابة الهادفة لتحقيق المعالي والكمالات، ولرأب الصدع وإبعاد الجهالات، وتقريب العاملين والراغبين إلى ميدان العطاء والتضحيات، وليسوا بحاجة إلى كثرة التفصيلات والتفريعات، خاصة في ما نمرّ به من ظروف عويصات. فقلت، مستعينا بالله، مستلهما منه الرشد والتوفيق: – أتمثل الجمعية خير جمعية أُخرجت للناس- كما قال بعض الأفاضل – فهي تجمع خير ما عند الجمعيات، وتحقق ما عند كل واحدة منها من الكمالات، وتجتنب ما عسى أن يكون ن الكمالات، وتجتنب ما عسى أن يكون
عند غيرها من الأخطاء والمخالفات، دون عُجب ولا رياء، ولا اعتقاد أنها تستأثر بالخير دون غيرها من الأفراد المخلصين، وهيئات العاملين، ومؤسسات الخَيِّرين.
ولست أتمثلها جمعية ضعيفة تهتمّ – فقط – بجانب صغير من اهتمامات المصلحين، ولا جمعية تكثر فيها الأخطاء والانحرافات، ويشيع فيها التساهل والانحلال، ولا جمعية لا هدف لها ولا غاية، ولكنني أتمثلها بريئةً من كل ذلك, وسالمة من مَغبّة ذلك.
– أتمثل الجمعية تشتق من اسمها – حقا وصدقا – معنى جمع الكلمة، ولمّ الشمل، وتوحيد الصفوف، فلا تعادي مسلمًا لأنه ليس من أعضائها، ولا توالي فاسقا لكونه من أعضائها، بل تعمل بمبدإ إمامها الذي بيّنه في معرض الكلام على دعوته بقوله: “إن هذا العبد له فكرة معروفة، وهو لن يحيد عنها، فمن قَبِلها فهو أخ في الله، ومن ردّها فهو أخ في الله، فالأُخوّة في الله فوق ما يُقبل وما يرُدّ.”وهو تجسيد لقول الله تعالى {إنما المؤمنون إخوة} ولقول نبيّه صلى الله عليه وسلم: ” المسلم أخو المسلم…”.
أتمثلها – في الوقت نفسه –لا تُوصِد أبوابها أمام أي مسلم حرّ أو عضو في غيرها من الجماعات والأحزاب، طالما يلتزم مبادئها ولا يخالف قانونها، ولا يتخذ الجمعية مطية لخدمة حزبه، أو لتحقيق مآربه الشخصية وأهدافه السياسية.
ولست أتمثلها جمعية يربط بين أفرادها رابط التعصب المقيت، واحتقار المخالف, والاعتداد بالرأي.
ولا أتمثلها ترى آراءَها ورُؤاها وأحكامها ومسالكها تنزيلاً من حكيم خبير، بحيث تُخرج مُخالفَها – في ما دون المعلوم من الدين بالضرورة – من دائرة الأُخُوّة الإسلامية العامة.
بل أتمثلها ترى نفسها وعاءً يسع كل مسلم يشهد شهادة الحق، ويعطي ولاءه لله ولرسوله وللمؤمنين، ولا يخالف الأمة في معلوم من الدين بالضرورة.
وترى نفسها – في الوقت نفسه – رحمة لمن ليسوا كذلك بما تدعوهم إليه من هدىً ورشاد، يُحرّرهم من طغيان العباد، ويُنجيهم من هول يوم المعاد؛ لأن رسالتها هي رسالة نبيّ الإسلام الذي قال الله له: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}
– أتمثل الجمعية جمعيةَ مبادئ، ترفع – صادقة – رايةَ الحق والدين، وحُبّ اللسان العربيّ المبين، وحُبّ الجزائرِ وسائرِ أوطان المسلمين.
ولست أتمثلها جمعية أشخاص يركبونها مطية لمغنم حائل، أو لمجد زائل، سيذهب اشتهاره ويبقى عاره.
وأتمثلها – في الوقت نفسه – تقرب المخلصين، وترفع شأن الصادقين، وتسند المهام لذوي الكفاءات الناجحين، وتفتح بابها للجادين والعاملين، وتُبعِد الأدعياء والمغرضين، وتمقت الخونة والمنافقين، ولا تقدم من حقه التأخير، ولا تؤخر من حقه التقديم، شعارها في كل ذلك أن أهم ما تحفظ به الأمانة أن تسند الأمور إلى أهلها، وأن يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب – حقا وصدقا – لا كذبا وافتراءً.
ولست أتمثلها جمعية تُسنِد المهامّ إلى غير أهلها، خوفا من سلطان الساسة أو العامة، أو خضوعا لإحراجات تافهة يزول خاطرها ويبقى خطرها، أو لوساطات جاهلة أو مغرضة، تُدرَج مع ما سمّاه القرآن “شفاعة سيئة” يكون على فاعلها والمستجيب لها كفلٌ منها، خاصة وهي هنا قد تفوِّت على الأمة فرصةً سانحة لنهضتها، وتحرمها من الأخذ بعوامل عزّها، وأركان مجدها.
أتمثل الجمعية رافعة راية الخوف من الله، مربية للأجيال عليه، جاعلة إياه أولوية ً في توجيهها وتعليمها وتذكيرها، إيمانا منها بأنه الأساسُ الذي يُبنى عليه أيُّ إصلاح، والعاصمُ الذي يعصم الأفراد والجماعات من الآثام والتقصير والخيانات، واستفادةً من تجارب الأمم في التهرب من كل أنواع الرقابات، والتلاعب على كل أصناف السلطات، لذلك أتمثلها من كثرة ما يتحقق به أفرادها من هذا المعنى، وما تمتلئ به أفئدتهم منه، ومن إجلالٍ لله عز وجل، وحبٍّ له – سبحانه -، ومن كثرة ما تدعو إليه في محافلها وخطبها ومناهجها، جديرةً بأن تسمّى “جمعية الخوف من الله”، أو “جمعية الخائفين من الله“.
ولست أتمثلها تقبل في صفوفها من لا يخاف الله، ولا يحافظ على فرائض الله، ولا يلتزم حدود الله، فضلا عن أن تقدمهم يتكلمون باسمها، أو يقودون جحافلها في صراعها المقدس مع من لا
صراعها المقدس مع من لا يخاف الله. وإني والله أعدّ مخالفة ذلك خيانة لله ولرسوله، وخيانة للأمة، وخيانة للعهد، وانحرافا خطيراً عن مسار الجمعية المستقيم ونهجها القويم.
أتمثل الجمعية جمعيةً وطنية مجاهدة، لا تعرف الخيانة إلى أفرادها – فضلا عن قادتها – سبيلا.
وأتمثلها رمزًا للوفاء للشهداء والأصفياء، تواصل المسير في طريق جهادهم ضد المحتلين وذيولهم ومشاريعهم ومكائدهم، وتحثُّ السير للتعجيل بإتمام مشروع الأمة والوطن الاستقلالي عن فرنسا ومن والاها، وتعيد للأمة ولاءها الكامل لدينها وتاريخها وأمجادها، وتستبدل بأوضاع فرنسا، وقوانين فرنسا، وقيادات فرنسا، أوضاعاً جزائرية خالصة، وقوانينَ جزائريةً مصدرها دين الجزائر وهو الإسلام، وقياداتٍ جزائرية صادقة في ولائها لله ولرسوله وللمؤمنين، وفي حبها للوطن والمواطنين.
ولست أتمثلها تقبل في صفوفها خائنا من الخونة –إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى – فضلا عن أن تُسنِد لهم مهامَّ قيادية ً فيها تُمَكنّهم من الخيانة المنظَّمة، ومن سَوْق جهود المخلصين إلى نصرة الخونة والمنافقين والمرتدين، بالتزيين أو الإلزام، فيستجيب القوم وهم قد لا يشعرون، وعن مَغَبَّة ما يساقون إليه غافلون.
ولست أتمثلها تسكت – فضلا عن أن تُقرّ – مشاريع َالخيانة التي ترمي إلى تحقيق الأهداف التي عجزت فرنسا – بجيوشها وجبروتها – عن تحقيقها، وعن مخططات الكفر والفساد التي وقف جهادُ المجاهدين -باللسان والسِّنان – إبَّان فترة الاحتلال أمامَ تنفيذها، كتغيير قانون الأسرة، ومنع التدريس بالعربية.
أتمثل الجمعية جمعية تُفَجِّر طاقات أبناء هذه الأمة، وتنسّق بين جهودهم، وتوجّهها الوجهة النافعة، وتكون محورًا يرتبط به جميع المخلصين، ويدور حوله جميع الأحرار، ويقويه ويتقوّى به جميع الأبرار فأتمثلها تدعو إلى مؤتمرات الوفاق، وتَجمَع الفُرَقاء على لقاءات التشاور والتنظير، وتبادر إلى طرح مشاريع كبرى تحقق الفرائض الغائبة وفق منهج تُرتِّبُ أَولَوِياتِه خبرةٌ بالشرع، ودراية بالواقع، وإدراك لحاجات المجتمعات، منتهجةً في كل ذلك نهج: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن“.
ولست أتمثلها مساهمةً في مشاريع النوم والتخدير والفُرقة باسم الإسلام والوطنية، ولا مساهمة في تشتيت الجهود وبعثرة الطاقات، شعارها في كل ما تأتي وما تدع قول الله تعالى:{ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} وقوله صلى الله عليه وسلم: (سددوا وقاربوا وأبشروا)
أتمثل الجمعية جمعية وفيّة لرموزها – القدامى والمعاصرين – تحفظ لهم حقوقهم وتعرف لهم فضل سبقهم وجهادهم وتضحياتهم، تحاول أن تحمل الأجيال على أن يقتدوا بهم فيما عُرفوا به من خير وعظائم، وأن تضعهم في مكانهم اللائق بهم، وهو مقام القدوة والريادة في طريق النهضة والإصلاح والمعالي، دون أن ترفعهم فوق مرتبتهم البشرية، ودون نسبة العصمة إليهم، بل تربي الأجيال على أخذ ما صفا وترك ما كدر، وعلى قبول الحق وردّ الخطأ من أي مصدر صدر، فلا خير في جيل الجمعية إذا لم ينصح ولم ينتصح، ولا خير في تابع لا يأمر بمعروف، ولا في متبوع لا ينتهي عن منكر.
ولست أتمثلها مبالغةً في تمجيد الأشخاص، مغاليةً في وصفهم بما ليس فيهم، كما يفعل أصحاب السياسات المنحرفة والمبادئ الضالة، الذين يُخَوِّنون الأمين، ويُؤَمِّنون الخائن، ويرفعون الوضيع، ويضعون الرفيع.
بل هي جمعية تبارك جهود الرجال، وتحفظ أقدار الرجال، ولا تتفنن في هتك الأستار عنهم، وهي في كل ذلك تُنزِل الناس منازلَهم، دون أن تنسب العصمة لأحد غير الأنبياء والمرسلين، عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
أتمثل الجمعية جمعية مُنصفة تعطي للنساء حقهن في الدعوة والنهضة والإصلاح والتربية والتوجيه.
فلا تستثني النساء خضوعا لأعراف فاسدة، ولا تحرمهن حقَّهن في التعليم والإصلاح خوفا من فتنة موهومة، بل تسير على مسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم – أولا- وعلى مسلك قادتها الأولين – ثانيا – فتعطي هذا الجانب الخطير حقَّه من حسن التصرف والتدبير، وهي في كل ذلك تراعي حدود الله، وتلتزم شرع الله، دون غلوّ ولا إجحاف، ودون إفراط ولا تفريط.
ولست أتمثلها جمعية رجالية ليس للنساء فيها وجود، وليس لجهودهن المهمة في شُعَبها حضور، بل تؤسس لهن المدارس والجامعات، وتدعوهن إلى تأسيس جمعيات، لتحقيق ما غاب عن ساحتهن من فرائض وواجبات، وتستفيد من طاقاتهن وإبداعاتهن وعواطفهن، كما فعل المهتدون ممن كان لهم في مجال التجديد نصيب، في الغابر من التاريخ والقريب.
أتمثل الجمعية في شُعَبِها نموذجا لمؤسسات الطهر والعفاف، ولتجمعات الأتقياء والصالحين، يَحتذي حذوَها كلُّ عاقل يريد أن يؤسس مؤسسة، أو ينشئ جمعية، مع رُقيّ في العقول والأخلاق والمناهج والأهداف، ولذلك تراها تجعل الكمالات الخُلُقية معيارا للقرب والبعد، وميزانا لغربلة الناس وتقديمهم لقيادة الأمة، وليست كبعض الجمعيات المتكالبة على الدنيا، تجمع كلَّ من هبَّ ودبَّ، وكلَّ مرجوج في المجتمع أو ممجوج.
يتبع