مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أحداث دوليةتحاليل وآراء

عباس يميل إلى قبولها والفلسطينيون يحذرون كيري يضع خطة ممنهجة لتصفية القضية الفلسطينية/أ.حسين لقرع

لقرع حسين يكثف وزيرُ الخارجية الأمريكي جون كيري هذه الأيام جهوده لإمضاء ما يسميه “اتفاقاً إطاراً” بين الصهاينة والفلسطينيين يكون أساساً لاتفاق نهائي يُحتمل أن يتوصّل إليه الطرفان في نهاية مفاوضاتهما، وقد حدّد الأمريكيون قبل استئناف المفاوضات في جويلية الماضي فترة تسعة أشهر للتوصل إلى اتفاق، ما يعني أنها ستنتهي في شهر ماي المقبل على الأرجح، ولتحقيق هذا الهدف وضع كيري مؤخراً خطة أو “إطاراً” للاتفاق النهائي المنتظر يتضمن نقاطاً عديدة أغلبها في صالح حلفائه الصهاينة.

 يمكن لأي متتبع، ومن خلال إلقاء نظرة بسيطة على مضمون “الاتفاق الإطار” الذي وضعه كيري كأساس لاتفاق الوضع النهائي بين الفلسطينيين والصهاينة بعد نحو ثلاثة أشهر من الآن، أن يلاحظ بوضوح أن مضمونه يصبُُّ في معظمه لصالح الكيان الصهيوني ولا يمنح الفلسطينيين سوى الفُتات، وقد انحاز فيه إلى حلفائه الصهاينة بشكل صارخ ولم يكن وسيطاً “نزيها” أو محايداً، وإن كان الانحيازُ ديدنَ الأمريكيين منذ قيام الكيان الصهيوني إلى الآن.

يقترح كيري في خطته التي أسماها “اتفاقاً إطاراً” إقامة “دولة فلسطينية منزوعة السلاح” في الضفة الغربية وغزة، بمعنى أنه لن يكون بمقدور هذه “الدولة” إذا صحّت تسميتُها كذلك، أن تملك جيشاً وأسلحة تدافع بها عن نفسها ضد أي “عدوان خارجي”، في الوقت الذي يملك فيه الكيانُ الصهيوني أحدث الأسلحة في العالم حتى النووية وغير التقليدية منها، ويملك جيشاً جراراً يستطيع محاربة الجيوش العربية مجتمعة، وهذا ما يُبقي “الدولة الفلسطينية” الفتيّة تحت رحمة الصهاينة بشكل مطلق، خصوصاً وأن مخطط كيري يعترف للصهاينة بحق مراقبة حدود هذه “الدولة” لمنع تهريب الأسلحة إليها، وكذا تسلل من يسمّيهم “الإرهابيين” إليها، أو منها باتجاه الكيان الصهيوني لتنفيذ عمليات فدائية ضده.

وبخصوص قضية المستوطنات التي تملأ الضفة الغربية وتقطع أوصالها، فإن خطة كيري لا تتضمن تفكيكها ونقل المستوطنين إلى أراضي 1948 كما تتضمَّن قرارات الأمم المتحدة، بل ستبقى في مكانها ولن تُفكّك خلافاً للمستوطنات الصغيرة العشوائية، ما يعني قضم نحو 10 بالمائة من مساحة الضفة، على أن يعوِّضها الصهاينة بـ6 بالمائة فقط من أراضٍ فلسطينية أخرى محتلة عام 1948، والتي أسقطتها السلطة الفلسطينية من حساباتها نهائياً ولم تعد تطالب بها، بل تطالب فقط بالأراضي المحتلة منذ 5 جوان 1967، لتقيم عليها “الدولة الفلسطينية المستقلة”.

أما عاصمة هذه “الدولة” فيقترح كيري أن تكون في ضاحية ببقايا القدس الشرقية تُسمى “شعفاط” في حين تمنح جلّ القدس التاريخية المليئة بالمستوطنات للصهاينة لتكون عاصمة “أبدية” لكيانهم. وتُسند مسألة الإشراف على الأقصى إلى إدارة دولية- سعودية- أردنية مشتركة، دون أن يوضح كيري كيفية هذا الإشراف أو مصير الأقصى وكيفية إيقاف التهديدات اليهودية بنسفه وإقامة الهيكل المزعوم بدله.

وبشأن قضية اللاجئين، يقترح كيري، فضلاً عن إلغاء حق العودة إلى أراضيهم نهائياً، ربط تعويضهم ماديا عن أراضيهم وبيوتهم وأملاكهم التي أرغموا على تركها في فلسطين بعد نكبة 1948، بتعويض الدول العربية لليهود الذين هاجروا منها باتجاه الكيان الصهيوني أو إلى أي بلد آخر، وهذا بذريعة أنهم واجهوا ضغوطاً كبيرة لإجبارهم على ترك ممتلكاتهم بالدول العربية والهجرة خوفاً على حياتهم.

ويعني هذا حرمان ملايين اللاجئين الفلسطينيين من حق العودة والتعويض معاً؛ فالعودة إلى أراضي 1948 غير ممكنة لأنها تتعارض مع ما يُسمى “يهودية إسرائيل” التي يسعى كيري والصهاينة إلى إجبار الفلسطينيين والعرب على الاعتراف بها، والتعويضات غير ممكنة أيضاً وقد تستغرق سنوات أو عقودا طويلة ما دامت قد رُبطت بتحقق شرط تعويض بعض الدول العربية، وفي مقدمتها مصر والعراق والسعودية وليبيا والجزائر، لـ700 ألف يهودي هاجر منها، برغم أن أغلبهم ذهب ضحية مؤامرات صهيونية لتهجيرهم إلى فلسطين المحتلة، أو هاجروا بمحض إرادتهم بعد أن وقفوا مع الاستعمار ضد الشعوب التي احتضنتهم وأحسنت إليهم قروناً من الزمن، كما حدث مع 120 ألف يهودي كان يعيش بالجزائر، ولم يُهجَّر هؤلاء قسراً كما يزعم الصهاينة الآن بهدف ابتزاز العرب ماديا بعد أن انتهوا من ابتزاز ألمانيا بملف المحرقة النازية وحلبوا منها ملايير الدولارات، حيث يطالبون العربَ بمنحهم تعويضات مالية ضخمة تصل في مجملها إلى 400 مليار دولار.

ولتصفية ملفّ اللاجئين الفلسطينيين نهائياً، يقترح كيري توطينهم في أستراليا وكندا وحتى في الدول العربية التي تقبل ذلك، وقد سارعت الدولتان الغربيتان إلى الترحيب بمقترح كيري وأعلنتا قبولهما توطين ملايين اللاجئين الفلسطينيين على أراضيهما ومنحهم جنسيتيهما، ما يعني نسيان الأجيال القادمة من الفلسطينيين لفلسطين ولكل ما يمتّ إليها بصلة والاندماج بشكل كامل في الحضارة الغربية.

وتصرّ خطة كيري على ضرورة اعتراف السلطة الفلسطينية والدول العربية بما يُسمِّيه الصهاينة “يهودية إسرائيل” أي أن تكون “الدولة” المُقامة على أراضي 1948 خاصة باليهود فقط، ما يمهِّد الأجواء لنكبة ثانية يُهجّر فيها قسراً مليون ونصف مليون فلسطيني يعيش في أراضي 1948، إلى الضفة وغزة، حتى تُجسّد فكرة “يهودية إسرائيل” في الميدان.

المشكلة أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد قبل، حسب الحديث الذي أدلى به لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية منذ أيام، معظم نقاط خطة كيري باستثناء ما يُسمى “يهودية إسرائيل”، بل واقترح أيضاً “ضماناتٍ أمنية” إضافية بهدف “تطمين” الصهاينة بأن أمنهم محفوظ،ولن يسمح لأحد بالمساس به، ومنها إمكانية بقاء جيشهم مدة 5 سنوات في الضفة الغربية قبل انسحابهم النهائي منها للتأكد من أن “الدولة الفلسطينية” الفتية لن تكون “وكراً للإرهابيين” مثلما أوصفهم دون حياء، وستتعايش سلمياً مع الصهاينة ولن تشكل أي خطر على أمنهم. وللزيادة في تطمينهم يقترح عباس “دخول قوات دولية تابعة للناتو؛ أمريكية وأوربية إلى الدولة الفلسطينية والاستقرار حيث تشاء، بهدف منع إدخال أي مُعدَّات عسكرية إليها وكذا محاربة الإرهابيين داخلها”، مضيفاً أن هذه “القوات ستقوم بحماية الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، ويمكنها البقاءُ لفترة طويلة في أي مكان تريده لتهدئة الإسرائيليين ولحمايتنا أيضاً؟”.

هذا الاستعداد الأعمى لتقديم تنازلات مجانية خطيرة دفع أكثر من مسؤول فلسطيني إلى دق ناقوس الخطر؛ فعباس أصبح يفكر في مصلحة الصهاينة أكثر من مصلحة الفلسطينيين وهو يقبل بـ”دولة فارغة المضمون بلا عاصمة ولا حدود ولا جيش ولا اقتصاد ولا شعب” حسب القيادي في حماس صلاح البردويل، أما فاروق القدومي فيرى بأن تجسيد خطة كيري سيحوّل الفلسطينيين إلى ما يشبه “غجر بلغاريا” حيث يتجوَّلون حيث يشاؤون، دون أن يكون لهم الحق في تملّك الأرض، ونبَّه القدومي السلطة الفلسطينية إلى أن القبول بهذه الخطة سيجعل “الدولة الفلسطينية” مجرد “حكم ذاتي من دون سيادة حقيقية على الأرض” وهي بذلك تصفي القضية الفلسطينية وتبيعها للصهاينة بأبخس الأثمان.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى