مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أحداث وطنية ومحلية

الصندوق الشفاف هو الحل/أ.عبد الباقي صلاي

 

صلاي2في أغلب الأعراف السياسية في العالم، الانتخابات التي تكون ضمن سياق الديمقراطية الحقيقية، أين يستشار الشعب من أجل اختيار الأنموذج الذي يحكمه سواء عبر انتخابات تشريعية، أو انتخابات رئاسية، فإن التوجه دائما يكون نحو الشعب ذاته الذي يطلب منه أن يفرز الغث والسمين من البرامج بآلية استعمال الصندوق الشفاف، الذي يعد الفيصل الفعلي لأي هرج ومرج سياسي يكون بين الطامحين نحو الفوز بهذه الانتخابات.

لكن لا يبدو الأمر هو ذاته لدى سياسيينا- أو الذين يمتهنون السياسة – في الجزائر الذين يلهثون من أجل ليس شرح برامجهم، وليس استعمال الحجة والدليل لإقناع الناس من أجل انتخابهم، وانتخاب مشروعهم، ولكن الأمر متعلق بترهات سياسية ضمن مشهد سياسي باهت للغاية -إن لم نقل هو في حكم الميت- لأنه عندما يركز البعض على ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من عدمه، والاعتماد على بوصلة ترشحه كمقياس لما سوف تكون عليه الانتخابات الرئاسية القادمة، والوصول إلى حد مطالبة البعض بعدم ترشح عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة ضمن حسابات سياسية لا يفقهها فقهاء السياسة الضالعين في الفكر السياسي، فهذا لا يعني أن الخبل استحكم في المشهد السياسي فقط، أو استحكم في مفاهيم هؤلاء الناس الذين أصبحوا يفرضون على الواقع السياسي، والانتخابي رؤاهم التي لا تمت بصلة للحياة السياسية المتعارف عليها عالميا، بل إن مراجعة التفكير ذاته، واعتبار كل من ينادي بوجوب عدم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لا يفقه في السياسة قطميرا.

قد يكون مبرر البعض أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في حال دخوله حلبة المعترك الانتخابي للرئاسيات القادمة، هو أن الرئاسيات ستكون محسومة سلفا للرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعدة اعتبارات منها، أن السلطة نفسها ستكون مع المرشح الرئيس، وستقف الإدارة بقضها وقضيضها معه، وتسانده، وستعمل على تزوير الانتخابات لصالحه، المبرر في واقع الأمر والحال لا يرقى إلى مستوى سياسي حقيقي، له دلالات الوعي الحضاري الذي يتوجب التمتع به، والخضوع إليه في مثل هذه القضايا التي تعتبر من القضايا الكبرى التي يتوجب التحلي بقدر معين من الثقافة الانتخابية، لأن الجميع أصبح يهرب من الواقع الذي يحياه بتوجيه السهام المسمومة نحو غيره، فبدلا من التركيز الفعلي على ما يمكن أن يقدمه أي مرشح للرئاسيات من أفكار جديدة للمجتمع، وكيف سيكون الحال في مجمله مستقبلا مقابل التحديات العظمى التي يشهدها العالم كل لحظة وكل ثانية، نجد – ربما الأغلبية هنا- من يفتح النار على خصومه، وكأن البرنامج الانتخابي هو نقد الآخرين ولا غير النقد.

صحيح أنه يجب التخوف من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة – من الاحتمالات التي ذكرناها سلفا- كمرشح قوي يستطيع أن يضمن أصوات الأغلبية، وهذا بغض النظر عن برنامجه أو سياسته، كما يستطيع أن يكتسح الساسة برمتها، لكن هذا ليس مبررا بالمرة لينطلق المرشحون الذين لم ينالوا بعد النصاب الحقيقي الذي يخولهم الدخول إلى الحلبة التنافسية ليعلنوا تمردهم من الآن، ويركزون فقط على سبل التغيير من باب عدم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لأن عدم ترشح عبد العزيز بوتفليقة حسبهم هو ضمان حياد الجيش، وحياد الإدارة، وحتى ضمان نزاهة الانتخابات، وضمان كسب الأصوات لصالحهم، وتحقيق التغيير كما هو راسخ في أذهان الأغلبية من هؤلاء الطامحين والطامعين في كرسي الرئاسة.

وأعجب صراحة من بعض الوجوه التي فقط ذهبت لسحب أوراق الترشح من وزارة الداخلية والجماعات المحلية، كيف أنها أصبحت تظهر على القنوات الفضائية، وفي الصحف وتجرى معها الحوارات، على الرغم من أن العرف- حتى لا أقول القانون- يستلزم أن يبدأ هؤلاء في التحدث عن برامجهم – في حال وجود برامج حقيقية- عندما يستوفون كل السبل القانونية بالحصول على 75000 صوت.

لكن الجزائر منذ التسعينيات دخلت في منعرج الفهلوة فعليا، حيث أضحى كل من هب ودب يتحدث في السياسة، كما أضحى كل من هب ودب يطمح للوصول إلى أعلى هرم في السلطة، فبعد الوصول إلى البرلمان من قبل أشخاص لا علاقة لهم لا بالسياسة ولا بالعمل التشريعي، اليوم بدأنا ننزلق أكثر فأكثر نحو ما هو أكبر، لأنه عندما يطمع بائع الخضر والفواكه، وبائع السردين، والبناء في كرسي الرئاسة فلا يعني إلا واحدة من مصطلحات الخراب، وهي أننا على وشك زلزال اجتماعي رهيب لا يبقي ولا يذر.

وحتى لو سلمنا جدلا أن الصندوق الشفاف هو الذي يفصل في مصير أي مرشح للانتخابات الرئاسية أو غيرها، فلا يجب أن يمتد الطمع والجشع إلى ما هو أكبر بكثير من تفكير البعض، لأن كرسي الرئاسة له أناسه وله أهله الذين يجب أن يتحلوا بشيء من الخصوصية والتميز عن الأغلبية من الناس بصفات خاصة لا يسمح المجال هنا لذكرها، وما يجب التأكيد عليه في كل الانتخابات أن الصندوق الشفاف هو الحل، وبه يتمكن الناس جميعا من طرد كل متلاعب وكل عربيد في السياسة، وكل دخيل يريد أن يستغل الفراغ المجتمعي ليكون له مكانة وهو يعلم أن لا مكانة له سوى في المكان الذي حددته له الحقيقة التي يعرفها هو أكثر من غيره.

الصندوق هو الشفاف لأنه الوحيد الذي يعرف الغث من السمين من البرامج ووحده الكفيل بتحقيق المطلوب من الديمقراطية التي تعني أن الغالب لا يكون إلا عبر اقتراع حر ونزيه.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى