
أتمثلُّه معتدلَ المزاج الخُلُقي بين الميوعة والجمود، وبين النسك والفتك، تتَّسِع نفسه للعقيق، وعمر وابن أبي عتيق، فيصبو ولا يكبو، كما تتسع للحرم وناسكيه فيصفو ولا يهفو، وتهزُّه مفاخرات الفرزدق في المربد، كما تهزُّه مواعظ الحسن في المعبد.
أتمثَّلُه كالدينار يروق منظرًا، وكالسيف يروع مخبرًا، وكالرمح أمدحُ ما يوصف به أن يقال ذابل؛ ولكن ذاك ذبول الاهتزاز وهذا ذبول الاعتزاز، وكالماء يمرؤ فيكون هناءً يُروي، ويزعق فيكون عناء يُردي، وكالراية بين الجيشين تتساقط حولها المهج وهي قائمة.
أتمثَّلُه عفّ السرائر، عفّ الظواهر، لو عرضت له الرذيلة في الماء ما شربه، وآثر الموت ظمأ على أن يرد أكدارها؛ ولو عرضت له في الهواء ما استنشقه، وآثر الموت اختناقا على أن يتنَسَّم أقذارَها.
أتمثَّلُه جديدا على الدنيا، يرى من شرطها عليه أن يزيد فيها شيئا جديدا، مستفادا فيها، يرى من الوفاء لها أن يكون ذلك الجديد مفيدا.
أتمثَّلُه مُقَدِّمًا لدينه قبل وطنه، ولوطنه قبل شخصه؛ يرى الدين جوهرا، والوطن صدفًا، وهو غواص عليهما، يصطادهما معا، ولكنه يعرف الفرق بين القيمتين، فإنْ أخطأ في التقدير خسر مرَّتين.
أتمثَّلُه واسعَ الآمال إلى حدِّ الخيال، ولكنه يزجيها بالأعمال إلى حدِّ الكمال، فإنْ شُغِف بحب وطنه شغَفَ المشرِك بحب وثنه، عذرَهُ الناس في التخيُّل لإذْكاء الحب، ولم يعذر فيه لتغطية الحقيقة.
أتمثَّلُه مصاولا لخصومه بالحجاج والإقناع، لا باللجاج والإقذاع، مرهبا لأعدائه بالأعمال لا بالأقوال.
أتمثَّلُه بانيا للوطنية على خمس، كما بُني الدين قبلها على خمس: السباب آفة الشباب، واليأس مفسد للبأس، والآمال لا تُدرك بغير الأعمال، والخيال أوَّله لذة وآخرُه خبال، والأوطان لا تُخدم باتباع خطوات الشيطان.
يا شباب الجزائر، هكذا كونوا… أو لا تكونوا.