متى كان الرقص تراثاً جزائرياً؟/أ.حياة محمد شريط
من الأوتار التي يعزفون عليها إحياء ما يدعونه “الرقص الجزائري” باسم إحياء التراث، أسأل نفسي متى كان الرقص والمجون تراثا جزائريا حتى يحيى!
ولو افترضنا وجود حالات في فترات تاريخية مختلفة؛ من المجون والاختلاط ومجالس السمر، وهزات الكتف والخواصر؛ فينبغي أن تنتقد لا أن تحيى وأن يبين للناس أن ذلك من عمل الجاهلية الأولى، وهو عمل يأباه الإسلام الحنيف وترفضه الأعراف والقيم الجزائرية الأصيلة!
فالمعروف عن أمهاتنا وجداتنا الحشمة والعفة والحياء والغيرة على الأعراض؛ ونبذ الاختلاط، وحماية المجتمع من الفساد وصد الفاحشة عنه، كما يشهد بذلك تاريخهم.
إننا مع إحياء التراث الجزائري (وأي تراث) شرط أن يكون تراثا فيه مصلحة الأجيال، ويهدي الأمة إلى سبيل الرشاد؛ ولا عاقل يقر إحياء ما اندرس من عادات جاهلية مقيتة موقوتة، اللهم إلا من يرغب في عيش عيشة الجاهلية التي لا ترتبط بزمن بقدر ما ترتبط بأفكار ومعاملات تتجدد بها الجاهلية وتتكرر في مختلف العصور والأمصار.
وإني لا أعجب من الجهات الداعمة والمساندة لمخرجي احتفالات وحفلات محلية أو دولية تعرض فيها منكرات ورجال ونساء الأحرار منها براء؛ بقدر ما أعجب من عدم وعي هؤلاء المنفذين بحقيقة الأمر وأبعاده وما يراد لبني جلدتهم، وكيف يؤدون أدوارا مجانية لجهات تريد نشر الفاحشة بين المسلمين…
فلم لا يتم الحديث عن تراث جزائري عماده العفة والحياء، وجهود أعلام جزائريين في خدمة الإسلام والذود عنه، من خلال التعريف بمؤلفاتهم وآثارهم النافعة، وبسالتهم في الدفاع عن هويتهم الإسلامية وصد المعتدين ومحاربة المندسين من داخل وخارج وطنهم، ووقوفهم في مد جهود تقسيم الجزائري من الشمال إلى الجنوب، واعتصامهم بحبل الله جميعا، وما كان في أجدادنا من أنفة للتحرر من هيمنة الإرادة الخارجية، التي يفرش لها اليوم البساط الأحمر؛ على أنقاض دماء الأجداد وكفاحهم وجهادهم.
فأي تراث هذا الذي تزعمون إحياءه؟.
أهو تراث المجون والخلاعة وتخدير البقية الباقية من الجزائريين الأحرار الذين ظلوا متمسكين بقيمهم الإسلامية وأعرافهم النبيلة؟.
إن قضية القيم والأخلاق والحشمة قضية مركزية ومن ثوابت الحياة الاجتماعية الجزائرية الحرة، فلم يتنكر من يتحدث باسم الجزائر (دون تفويض) للقيم والأخلاق الجزائرية، ويقررون التوقف عند مظاهر الرقص والخلاعة، والتفنن في التعبير عن ذلك، ولم يراد للكرامة والشهامة والمروءة أن تبقى نسيا منسيا، إن كثيرا مما يسوق باسم التراث لا صلة له بالتراث الحق بل هو تراث أمم أخرى يراد إعادة إنتاجه عندنا باسم التراث لخدع السذج والمغفلين.
وطمس الهوية الحقيقة للأمة الجزائرية العربية المسلمة مؤامرة يشارك فيها بعض ممن لا ينتسبون للعزة والكرامة، بسبب عوامل القصور المعرفي أو المصالح الشخصية، أو عن غفلة وتسميم تسويق إعلامي ماكر.
ومن يرفعون شعار التراث الجزائري الأصيل اليوم هم في حاجة إلى مراجعات ذاتية وعلمية، بعيداً عن الشعارات والانفعالات والاتهامات، أسسها الموضوعية العلمية والتاريخية والتحليل العلمي الرصين، والتدبر في النظر إلى العواقب والمآلات وما فيه مصلحة الأجيال حالياً ومستقبلاً …