مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
تحاليل وآراء

الربيع العربي وإعادة إنتاج أنظمة الاستبداد/أ.عبدالقادر قلاتي

 

قلاتي 12قد يكون النموذج المصري، هو النموذج الأكثر وضوحاً، فيما سمي بفشل الربيع العربي، ذلك أن الثورة المصرية، استطاعت أن تسقط نظاماً استبدادياً شمولياً، في ظرف قياسي، فق أظهر هذا السقوط وضعاً جديداً في الواقع السياسي العربي، مفاده أن هذه الأنظمة ليست بالقوة التي تقهر إرادة الشعوب، وإنما هي أنظمة ضعيفة استمدت قوتها، مما زرعته من خوف في نفوس شعوبها، وبدا الأمر وكأنه تحول حقيقي رأت الشعوب العربية، من خلاله دولة العدل والقانون قريبة المنال، وبدأنا نشهد ما بدا مظاهر جديدة في حياتنا السياسية، وظهر النموذج المصري، بتحولاته المريحة نوعا ما، أقرب مثال يحتذى به في مناطق عربية قريبة، دون أن ننسى النموذج التونسي، لكن هذا الواقع الجديد سرعان ما أبدى مظاهر مختلفة تماماً، وغدت تلك التحولات التي ارتبطت بما سمي بالربيع العربي، وكأني بها مجرد أحلام مرت بسرعة خاطفة، لنشهد من جديد دولة الاستبداد بكل ملامحها تعود إلى المشهد السياسي، بكامل قوتها وجبروتها وتطرفها وإرهابها، وبدا خطاب الثورة يتهاوى، وبدأت مفردات الثورة الناعمة تغيب، لتخلفها مفردات دولة العصابة؛ وتحركت آلة الإعلام الخبيث، تبث سمومها وتقلب الحقائق إلى أكاذيب، والأكاذيب إلى حقائق، وفتحت السجون مرة أخرى، ذكرتنا بمرحلة الخمسينات مع نظام القومجية العرب، الذي دمر الأمة وزيف وعي أبنائها، وحارب الدين وشوه التاريخ، واليوم تريد الثورة المضادة، أن تنفث فيه الروح من جديد، ليستمر التشوه في هياكل الدولة، وتقطع الطريق أمام التغيير الذي تنشده الأمة والأجيال الجديدة، في لحظات فاصلة في تاريخ الأمة، لم ينجح مشروع التغيير، لأنهّ ببساطة مازالت ثقافة العمالة والخيانة، تستحوذ على كثير من الذهنيات السياسية والثقافية، وتعمل جاهدة لتبرير كثير من فجور هذه الفئة السياسية والثقافية، أو تلك. لقد استطاعت الثورة المضادة إعادة إنتاج النظام الشمول الاستبدادي من جديد، ورجعت الدولة العميقة منتصرة، بعد ما فضحتها، الثورات العربية، وكشفت زيفها وعمالتها للمشروع الغربي الاستعماري.

رجع نظام الاستبداد مرة أخرى، ولكن على نحو أكثر شراسة مما كان عليه قبل أن تثور الشعوب، وتطالب بحقوقها، في أن تعيش في دولة تنتمي إلى هذا العصر وثقافته؛ رجع نظام الاستبداد ليقول لهذه الشعوب، إن فشل الثورات حتمية تاريخية، وإن إسقاط الأنظمة بمنطق الثورات، دونه فاتورة كبيرة، من القتل والتشريد، والتخريب والدمار للعباد والبلاد، والدليل ما ترونه في مصر وسوريا وليبيا. نعم نجح نظام الاستبداد في أن  يقنع قطاعاً هائلاً من شعوبنا العربية، بعدم جدوى الثورة عليه، بل وأكثر من ذلك إقناعه، بأن تغيير الأنظمة يتساوى مع زوال الدول والكيانات السياسية؛ انظر إلى ما يحدث في سوريا، انظر إلى حجم الدمار والخراب الذي لحق بهذه الدولة  وشعبها، لأن الشعب السوري أراد-فقط- أن يتخلص من هذا النظام المجرم، فكان ما كان من دمار وخراب لم يعرف التاريخ البشري مثيلاً له، إلا ما كان في الحرب العالمية الأولى والثانية.

نعم النموذج المصري، هو النموذج الأكثر وضوحاً، في ما قلناه عن فشل الربيع العربي، لأن التغيير في النظام السياسي، بدا واضحاً في كثير من المحطات التي صاحبت سقوط النظام السابق، فالانتخابات جاءت ببرلمان ديمقراطي تعددي، وبرئيس منتخب انتخابات نزيهة وشفافة، بشهادة الخصوم السياسيين أنفسهم، ومحاكمة رموز النظام السابق تحركت في كل اتجاه، بدءًا من الرئيس وإلى كل رموز هذا النظام، لكن كل هذا التغيير لم يكن إلا وسيلة استخدمتها الثورة المضادة في تطمين الشعب والطبقة السياسية الأصلية في مصر، وإفساح المجال لعامل الزمن، كي تتمكن من استرجاع قواها المنهارة بفعل الثورة الشعبية الأصلية، ثم قامت بضربتها القاضية على كل ما أنجز من تغيير في شكل نظام الدولة، ليخرج النظام القديم من جديد، ويظهر فشل الثورة ومنجزاتها، لكن يبقى الأمل قائماً في أن يفشل نظام الاستبداد في الاستمرار، ويعود النصر من جديد للثورة الأصلية، {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ }.

.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى