لك الله يا قدس/أ. محمد الحسن أكـــيـــلال
في الأسبوع الماضي بثت قناة “فرانس 24” العالمية نبأ عن قيام أول وزير إسرائيلي لزيارة رسمية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لحضور ملتقى دولي فيها.
في نفس الأسبوع تناقلت بعض الفضائيات نبأ انعقاد لجنة القدس في مدينة “مراكش” اللجنة التي أسندت رئاستها للعاهل المغربي الراحل المغفور له الملك “الحسن الثاني”، ثم ورث هذه المسؤولية نجله الملك “محمد السادس”.
ودائما في نفس الأسبوع وفي نفس القناة السالفة الذكر نشر في الشريط الإخباري على الشاشة نبأ تلقي مسئول في السلطة الفلسطينية في “رام الله” لتهديد بالتصفية الجسدية من طرف إسرائيل لكونه المسئول عن ملّف الفساد في السلطة، وفي حالة عمل دؤوب في التحقيق لكشف جريمة فساد في السلطة.
وفي آخر الأخبار من ذات الأسبوع خبر عن إعلان دولة قطر عن تخصيص عشرات الآلاف من مناصب العمل لشباب قطاع غزة المحاصرة، وتحفيزهم للهجرة إلى الدوحة الغنّاء بفضل النفط.
هذه الأخبار كلّها بموازاة ما تقوم به الآلة الدبلوماسية الأمريكية من جهود مضنية لحث الطـــــرفين الصهيوني المتعنت والفلسطيني المنقاد -رغم أنفه- لمواصلة التفاوض والقبول بــا”لاتفاق الإطار” المقترح من قبلها باعتباره السبيل الأمثل لإيجاد حلّ للصراع الصهيوني الفلسطيني بإقامة الدولتين، دولة للفلسطينيين مهما كان لونها وشكلها وحجمها ووسائل عيشها، إلى جانب الدولة اليهودية من البحر إلى النهر بكل عنفوانها وقوتها وجبروتها وطغيانها.
بخلط كل هذه الأخبار وسحب أهمها، المتعلق باجتماع لجنة القدس الموقرة الذي شاركت فيها حوالي عشرين دولة يفترض أن تكون مانحة للمال الذي يخصص لسكان القدس ليساعدهم على الصمود في وجه التهويد، والحفاظ على بيوتهم وممتلكاتهم من كل الإغراءات والضغوط التي يمارسها عليهم الصهاينة.
انتهت أشغال اللجنة بتخصيص مبلغ 20 مليون دولار لذلك، وكأن الحاضرين، وخاصة ممثلي دول الخليج يريدون أن يقولوا للسيد “أبي مازن” رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية “دعك من القدس لأن اليهود لا قبل لنا ولا لك بهم، وهم ماضون في تهويدها كلّها، وتهديم المسجد الأقصى لبناء هيكل سليمان المزعوم مكانه، وهذا المبلغ تصرف فيه مؤقتا إلى حين اتضاح الرؤية بعد آخر فصول التفاوض”.
لو فكر السيد “أبو مازن” مليا قبل السفر إلى المغرب، وتذكر شريط الكوارث التي لحقت بشعبه منذ ما بعد حرب 1973، والدور الذي لعبه المغرب في التحضير لقرار الرئيس الراحل المرحوم “محمد أنور السادات” لزيارة القدس التي أفضت إلى توقيع اتفاقية “كامب دافيد” التي كانت الوتد الذي شدّ إليه الحبل الذي ربط كلّ الأمة ومن ضمنها الشعب الفلسطيني إليه لتدور حوله منذ التوقيع إلى يومنا هذا، وقد دارت الأمة حول الوتد لمدّة أربعة عقود، وكلّما سارت حوله اقتربت منه حتى أصبحت الآن مثبتة عليه دون حراك، لأن طول الحبل الموضوع محسوب سلفا، وطرفه الثاني الذي وضع في عنق الأمة مصيره الوصل إلى الطرف المشدود في الوتد الصهيوني.
لا يمكن أن يكون السيد “أبو مازن” قد نسي هذا، وإلاّ كيف يكون أول الساعين للقيام باتصالات مع شخصيات يهودية في فلسطين المحتلة وفي الخارج لإقناعهم بضرورة إيجاد حلّ سلمي بالحوار والتفاوض؟
لقد كان المغرب ومن خلال صاحب الجلالة المرحوم “الحسن الثاني” الأرض العربية التي كانت توفر النزل السري للقاءات الأولى بين وزير الدفاع الإسرائيلي “موشي دايان” والوزير المصري “حسن التهامي” لإنضاج قرار “السادات” رحمه الله، وكان دور الملك الراحل -رحمه الله- مهمّا جدّا إلى درجة اعتباره الصديق العربي المسلم الذي يمكن الاعتماد عليه في كل شيء يتعلق بقضية الصراع العربي الصهيوني، وهذا الدور له مقابله المتمثل في دعم لا مشروط للاحتفاظ بأراضي الصحراء الغربية كجزء لا يتجزأ من أراضي المملكة. وهذا الدعم واضح من مواقف كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا التي كانت الدولة المستعمرة.
إن إسناد رئاسة لجنة القدس للملك المغربي الراحل والحالي، حتى وإن ظن الراحل “ياسر عرفات” أن ذلك سيخدم القدس من باب العلاقات الجيدة بين الملك والمسئولين الصهاينة، إلاّ أنه لا شك وهو يحاصر في مقره برام الله، وتدك أسواره بقذائف الدبابات سيتذكر أنه أخطأ، وأن الملك المغربي قبل رئاسة لجنة القدس كشكل من أشكال الاستثمارات التي يوظفها المغرب للحفاظ على عرشه من خلال شبكة العلاقات الدولية التي نسجها مع يهود العالم الصهاينة لضمان حمايتهم له من كل الأخطار.
والسيد “محمود عباس” وهو يحضر اجتماع اللجنة الموقرة يعلم أنه مقبل على الإذعان للأمر الواقع الصهيوني الذي سيفرض عليه إن عاجلا أو آجلا مغادرة الضفة الغربية إلى أرض أخرى، قد تكون في سيناء، أو في الضفة الشرقية، ليقيم فيها حكما ذاتيا تحت إشراف ورعاية المملكة الأردنية الهاشمية التي يوكل إليها وإلى المملكة العربية السعودية مهمة الوكالة على المقدسات الإسلامية، عدا المسجد الأقصى طبعا، لأن إسرائيل ماضية في عملية تهديمه “شاء من شاء وأبى من أبى”، اللّهم إلاّ إذا عاد السيد “أبو مازن” إلى رشده وأعلن استقالته وفرّ إلى أي بلد خارج فلسطين ليترك الشباب الفلسطيني الرافض لأي شكل من أشكال التسوية على الطريقة الأمريكية الصهيونية الغربية، ويعلن هذا الشباب عن انتفاضة ثالثة تفرض على الحكومة الإسرائيلية مراجعة كل قراراتها بما في ذلك تهويد القدس وتدمير المسجد الأقصى.
لا حلّ للقضية الفلسطينية إلاّ بالعودة إلى كل أشكال المقاومة والمقاومة هي وحدها الكفيلة بإسماع صوت الشعب الفلسطيني للغرب وأمريكا والصهاينة الذين سيدركون أن ما بني على باطل فهو باطل.