مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أحداث دولية

بعد ترشُّح السيسي تحت غطاء "أمر الشعب" فصول المســـــرحية تقترب من الاكتمال بمصر/أ حسين لقرع

 

sisi1تقترب المسرحية التي يؤدي بطولتَها الانقلابيون في مصر منذ 3 جويلية 2013 إلى الآن، من استكمال آخر فصولها ومشاهدها؛ فبعد تمرير مهزلة الدستور الذي يُضفي الشرعية على الانقلاب والقمع ومصادرة الحريات، وتضخيم نسبة المشاركة الشعبية، أعلن الجيش ترشيح السيسي لانتخابات الرئاسة المزمع عقدها بعد شهرين ونصف شهر من الآن، على أن تكتمل فصولُ المسرحية لاحقاً بإجراء انتخابات تشريعية مزوّرة تحمل العلمانيين المساندين للانقلاب إلى البرلمان، وبالتالي استكمال “خارطة المستقبل” وفرض واقع جديد على المصريين.

برغم كل ما يجري في الشَّارع من مظاهرات واحتجاجات يومية شلت الحياة بمصر، يصرُّ الانقلابيون على عدم تقديم أي تنازل لإنهاء الاحتقان في الشارع، وتنفيذ ما أسموه “خارطة المستقبل” إلى غاية بلوغ آخر محطاتها بغرض هزم أنصار الشرعية وإجبارهم على الانكفاء على أنفسهم وقبول الأمر الواقع بعد “إعادة بناء مؤسسات الدولة” عبر سلسلة انتخابات عامّة مزوَّرة كما كان يحدث في عهد مبارك.

ويبدو أن نجاح الانقلابيين في تأمين الاستفتاء على دستورهم عبر القمع الدموي للتظاهرات السلمية، قد مهّد الطريق أمام السيسي للتحضير لترشيح نفسه رسمياً لانتخابات الرئاسة، وبالتالي تحقيق حلمه بحكم مصر بشرعيةٍ شعبية زائفة حتى وإن كان يحكمها الآن بالقوة.

وكان السيسي قد أقسم بالله أنه لا يسعى إلى حكم مصر ولن يترشح لانتخابات الرئاسة، وزعم أن كلّ همه هو “حماية إرادة المصريين؟”، وهو كلامٌ كان واضحاً منذ البداية أنه مجرد كذب مفضوح لا يمكن أن ينطلي على أكثر الناس سذاجة؛ فالسيسي لم يغامر بتوريط الجيش والتدخل في 3 جويلية 2013 والانحياز للأقلية العلمانية والقبطية المتظاهرة والقيام بالانقلاب على رئيس شرعي منتَخب شعبياً، من أجل “حماية الإرادة الشعبية” كما ادعى، لأنه يدرك تماماً أن الإرادة الشعبية الحقيقية قد تمّ التعبيرُ عنها بوضوح في انتخابات جوان 2012 الرئاسية التي حملت محمد مرسي إلى رئاسة الجمهورية بالأغلبية الساحقة من أصوات المصريين، وهذه هي الشرعية الشعبية الحقيقية التي لا يجوز دستوريا وأخلاقيا إسقاطها بذريعة حماية “الإرادة الشعبية” المعبّر عنها بالمظاهرات في الشارع.

اليوم ينكشف المستور ويتأكد المصريون والعالم أن السيسي قد قام بانقلابه الدموي في 3 جويلية الفارط وأدخل مصر في دوامة خطيرة من الصراعات والانقسام الاجتماعي وقتلَ الآلاف من الأبرياء وسجن عشرات الآلاف منهم، وفاقم أزمات مصر الاقتصادية والاجتماعية، في سبيل أن يحكم مصر لا أكثر ولا أقل، وأنه اتخذ مظاهرات 30 جوان 2013 ذريعة وغطاءً لتحقيق هذا الحلم وإضفاء غطاء شعبي على انقلابه الدموي.

ولو كان السيسي منحازاً حقا لـ”الإرادة الشعبية” المعبّر عنها في مظاهرات الشارع كما يزعم، لترك الحكمَ لقادة المتظاهرين: صباحي والبرادعي وعمرو موسى وغيرهم… ولانسحب من الأضواء بعد اكتمال المرحلة الانتقالية التي أدخل البلد فيها بانقلابه، ولكنه لم يفعل، وبقي أشهراً طويلة يمهّد لترشُّحه لانتخابات الرئاسة من خلال تسريب أخبار في هذا الاتجاه إلى وسائل الإعلام الموالية له وما أكثرها، والايعاز إلى أنصاره بالتحرّك ميدانياً وتنظيم تجمعات شعبية تنادي بترشيحه للرئاسة وتقديمه على أنه “مخلّص مصر” مما أسماه “إرهاب الإخوان؟”، كما سرّب تسجيلاً صوتياً يزعم فيه أنه رأى الرئيس الأسبق أنور السادات في الحلم وهو يبشّره بأنه سيحكم مصر ويتولى رئاستها، ثم صرّح مراراً لوسائل الإعلان ردا على سؤال تحت طلبه بخصوص ترشحه للرئاسة بأنه “زاهدٌ في الحكم”، ولكن “إذا أمره الشعب، فلا يملك إلا أن ينصاع لأمره؟” على حدّ إدِّعائه. وهو ما يُظهر براعته في التمثيل والتلاعب بالكلمات والضحك على الذقون.

وفي ظل كثرة المهلِّلين للسيسي وإظهاره بمظهر “البطل القومي” الذي “خلَّص مصر من شرّ الإخوان وإرهابهم” كما يردِّد إعلام التضليل والفتنة والتقسيم، فإن “المارشال” سيترشح وسيكتسح الصناديق بعد شهرين ونصف شهر من الآن، بأغلبية مصطَنعة في ظل غياب الإخوان المسلمين الذين سيقاطعون الانتخابات الرئاسية على الأرجح، أو يُدفعون دفعاًُ إلى مقاطعتها من خلال رفض قبول ملف ترشح أي شخصية إخوانية أو مقرّبة من الإخوان، أو القبول بمشاركتهم قصد إضفاء الشرعية على الانتخابات وانتزاع نسبة مشاركة عالية فيها، ثم تزوير نتائجها بشكل فاضح كما كان يحدث في عهد مبارك.

وبعدها بثلاثة أشهر أخرى، سيعلن الرئيسُ الجديد لمصر إجراء انتخابات تشريعية جديدة، وستُقسّم كوطة البرلمان بغرفتيه على الأحزاب العلمانية والقبطية والقوى الشبابية الموالية له وكذا حزب النور السلفي، مكافأة لهؤلاء على دعم انقلاب 3 جويلية الفارط والدفاع المستميت عنه وتقديمه للداخل والخارج على أساس أنه “إنحيازٌ إلى ملايين المتظاهرين”.

وفي ظل الواقع الجديد، سيُطلب من الإخوان الكف عن المظاهرات والإذعان لـ”الإرادة الشعبية” المعبّر عنها في مختلف الانتخابات، والعودة إلى بيوتهم، وبالتالي تكتمل مشاهد “خارطة المستقبل” بإقصائهم تماماً من الساحة السياسية وتمكين العسكر والأقلية العلمانية كلية من الحكم، كما كان الأمرُ في عهد مبارك.

وفي حال رفض الإخوان الانصياع للواقع الجديد، ومواصلة مظاهراتهم ومقاومة الديكتاتورية الجديدة التي تتدثر بغطاء شعبي زائف، وهو الأمرُ المنتظَر على الأرجح، فسيتصاعد ضدهم القمعُ والتنكيل وأعمال القتل والاعتقالات والمحاكمات الجائرة والأحكام القضائية الثقيلة… وستُشن عليهم حملة إعلامية جديدة بحجة أنهم يناوئون الإرادة الشعبية المعبَّر عنها بالانتخابات، ويتمسكون بشرعية تجاوزتها الأحداث.

باختصار، مصر مقبلة على مرحلة تعود فيها إلى أحضان حكم العسكر بغطاء شعبي زائف، ويسود فيها القمعُ والاضطهاد سنوات طويلة أخرى. هي عودة إلى عهد مبارك برئيس جديد، ونهاية أكيدة لثورة 25 يناير 2011 ورجوعٌ إلى نقطة الصفر، في حين نجحت الثورة التونسية في إرساء أسس تجربة ديمقراطية حقيقية، ولن يكون الشعبُ المصري من يدفع الثمن وحده، ولكن غزة أيضاً ستدفع بدورها ثمناً باهظاً من خلال إطباق الحصار عليها. كان الله في عون المصريين والفلسطينيين المستضعَفين ووجد لهم مخرجاً من حيث لا يحتسبون كما وجد لهم مخرجا من نظام مبارك في مطلع عام 2011.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى