أيها الأساتذة الكرام والمربون الأجلاء لا تزيدوا الطين بلة…./ أمال السائحي.ح
*
الكل منا يتفق على أن أبناءنا يشرعون في الذهاب إلى المدرسة، لتحصيل العلم، فما إن تنتهي تلك السنوات الخمس الأولى، التي بلورت فيها الأم بداية التكوين النفسي والعقلي للطفل، من أخلاق وتوجيهات ومنهجية سديدة، بعدها تأخذ المدرسة هذا النبت الطيب الذي يتطلب منها أولا، أن تعد له القدوة الحسنة في الأستاذ الذي اختارته لهذه الرسالة العظيمة رسالة العلم والمعرفة، وفي اختيار المنهجية المحكمة، التي بها تُنار العقول المظلمة، وتُشيَّد البلدان..فما أعظم شرف العلم، وما أعظم مقام المعلم وما أزكاه، وما أروع أن ينظر الأستاذ إلى من علّمهم، فيعلم أنه قد صنع لنا جيلاً كاملا من العلماء العاملين، الذين ينفعون العباد، ويسعدون البلاد، وما أبشع أن يكتشف أن من كان يعدهم ليرتقوا بالوطن، ويدفعوا عنه العدوان والفتن، انحرفوا وصاروا فيه هم أسباب البلى والشجن، مما يجعله يسأل في قلق وحيرة:
ما سر تدني المستوى الدراسي من جيل إلى آخر في وطننا؟ حيث تفيد بعض المعلومات أن عددا كبيرا من تلاميذ المؤسسات التربوية عبر الوطن، وفي جميع الأطوار التعليمية، حازوا على علامات ضعيفة ودون المتوسط في أغلب المواد، منها الرياضيات واللغات الأجنبية، وكانت مفاجأة السداسي الأول من السنة الدراسية أن هناك من التلاميذ في الطور المتوسط ممن لا يعرفون في أية قارة يقع وطنهم الجزائر.
حسب تقارير مجالس الأقسام، فإن ضعف التلاميذ لم يقتصر على مواد دون سواها، بل مس حتى المواد التي تعتمد على الحفظ كذلك، على غرار التربية الإسلامية والتربية المدنية.
إن هذه الظاهرة أرجعها البعض إلى وجود تلاميذ ليست لديهم المقدرة على التفريق بين شكل المخ وأمعاء الإنسان، وكذا إلى المشاكل التي عانى منها القطاع منذ بداية السنة الدراسية الحالية من اكتظاظ في الأقسام وعجز في التأطير، إضافة إلى الحشو في الدروس، وهذه النتائج الضعيفة المسجلة كل سنة عزاه بعضهم إلى إصلاحات وزارة التربية المتتابعة غير المدروسة، والتي تثبت كل عام فشلها، وضرورة إعادة النظر فيها، كاشفة أن تسجيل نتائج ضعيفة للسنتين الأولى والثانية متوسط يعود إلى عدم اندماج التلاميذ الناجحين في شهادة التعليم الابتدائي في الطور المتوسط لصغر سنهم وعدم مقدرتهم على الاستيعاب في ظل كثافة البرنامج.
من زاوية أخرى، أن أغلبية التلاميذ في الطور الثانوي تحصلوا على معدلات ضعيفة ودون المتوسط، حيث أن مستوى التلاميذ متدني في أغلب المواد التعليمية وفي مختلف الشعب، خاصة بالنسبة لتلاميذ السنة الأولى ثانوي الذين انتقلوا بمستويات ضعيفة جدا من التعليم المتوسط.
رغم هذا وذاك، فلا ننسى كذلك الدروس الخصوصية التي يأخذها التلميذ عقب انتهائه من المواد التي نقول أنه قد تلقاها في المدرسة، والتي أثقلت عليه كثيرا، وأفرغت جيوب الوالدين، ورغم كل هذه المعاناة، فلا يوجد تحصيل دراسي جيد، ولا منهجية سديدة للمنظومة التربوية، ولا تعليم محكم من ناحية الأستاذ والمعلم، الذي أصبح اليوم هو الآخر مغايرا لم كان عليه الأستاذ فيما مضى من جدية وانضباط وتفان في العمل، وبات يتلاعب بمستقبل أجيال كاملة، تارة بتهربه من التعليم بافتعال الإضرابات المتتالية التي لا تخدم التلميذ ولا المدرسة، وتارة بابتزازه عن طريق الدروس الخصوصية…
فلا ينبغي أن ننسى أن العنصر المحرك والأهم في العملية التعليمية هو: المعلم، فواجبٌ عليه أن يتصف بكل المقومات الايجابية..من حب صادق لهذه المهنة، وعطاء للعلم، وأن يكون إضافة لذكاء الأذكياء، وعطاء أكثر قدر لمن ليسوا في مستوى النبوغ والذكاء، حتى يصلوا إلى مستوى يجعله فخورا بما زرع فيهم من علم وقيم ومبادئ.
تلك هي بعض الأسباب والعوامل التي تقف وراء تدني المستوى الدراسي، وذلكم هو جواب السؤال المقلق والمحير الذي يؤرق كل مرب وأستاذ يتمتع بحس المسؤولية فعلا، وإذا كان المعلم والأستاذ من أبرز تلكم الأسباب وأشدها تأثيرا، فقد توجب علينا أن نقول لهؤلاء الأساتذة والمربّين: بأن أبناءنا أمانة في أعناقكم، فإن أحسنتم رعايتها وصناعتها، استغفرتْ لكم حيتانُ البحر وطيور البر، هكذا علَّمَنا رسولُنا -عليه الصلاة والسلام- والناس صنفان: قادة هدى، وقادة ضلال، فعن الهدى قال -سبحانه-:﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾(الأنبياء: 73)، وعن الضلال قال -جل وعلا-:﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ﴾(القصص: 41) فكونوا هدالكم الله ورعاكم أئمة هدى لا أئمة ضلال…ولا تزيدوا الطين بلة…