زراعة..لا محاصيل لها!/أ.د فوزي اوصدّيق
اعتدنا أن نسمع من آبائنا وأجدادنا المقولة الشهيرة “كما تزرع تحصد”، وجرى العلم في إثبات ذلك، فإذا زرعنا القمح حصدنا القمح، ويستحيل أن نحصد التفاح من شجر الليمون، إلا أن جزائرنا ذات المعجزات والغرائب التي كادت تقارب المستحيلات السبع، بل كادت تكون ثامنها، قد كسرت هذه القاعدة، وخرجت عن حدودها، وصرنا نرى الشعب الجزائري يزرع أوجاعه وويلاته أملاً منه أن تتحقق وعود رؤساء الأحزاب الخيالية بمنحهم الثروات والتعليم وفرص العمل، ولا يحصدون منها إلا مزيداً من الوعود الجوفاء، بل بات الجزائريون يزرعون الأحلام بجزائر المستقبل، ليجنيه السياسيون رحيقاً مليئاً بالثروة المرتوية من دماء الشعب ومن جهده، غريبة تلك المعادلة في الجزائر، المعادلة التي تعني في كل العالم أن الشعب والسلطة مكمّلان لبعضهما وينتجان من معادلة تكوينهما واقعاً منطقياً وأمناً سائداً، واقتصاداً مستقراً، وتعليماً متقدماً، إلا أن هذه المعادلة في الجزائر اختلفت، بقي طرفا المعادلة كما هو معروف (الشعب والسلطة) لكن النواتج لم تكن أمناً واستقراراً أو غيرها من الحقائق المفترضة، كانت النتائج على صعيدين متناقضين،- الصعيد الشعبي– حيث حصلوا على المزيد من الواقع المرير، والكثير من اللا وجود أمنياً، والجمّ من المتاعب اليومية والتي أصبحت روتيناً معتاداً لهم في يومياتهم. و– الصعيد السلطوي – والذي جنى الأرباح كاملة مضافاً إليها رأسمال الشعب، أو بالأحرى تعبه وجهده، وهنا نجد أنفسنا أمام مأساتين أيضا، مأساة الشعب العاجز عن تغيير الفراغ الكبير في الوعي القيادي لدى الساسة، ومأساة السلطة التي لم يعد لها همّ إلا الصعود على سلم بني من تدهور الشعب والأرض، وكل هذا يحصل على مرأى ومسمع من القادة، ولا ندري سبب بقائهم كالصمّ والبكم أمام هذا الوضع!!
علماً أنهم مدركون تماماً لحقيقة الوضع الذي آل إليه الوطن، واقع مؤسف، حقيقة صعبة التصديق، مآسٍ لا تُعدّ، وأزمات لا حصر لها، وهنا يجب أن نقف بكل وعي وبكامل القدرات لمناشدة قادة الأحزاب بالتنبّه والاستيقاظ من نومهم العميق وأحلامهم بأن السياسة ليست لعبة، وليست تسلية بل هي حياة شعوب، ومقدّرات أوطان، هي فلسفة عميقة تستوجب تفكيراً سليما، وليس فقط مجرد ادعاءات مزيفة يطلقونها فقط أثناء ترشحهم للانتخابات وتذهب أدراج الرياح بعد وصولهم للكرسي، يجب أن يدركوا أن الشعب قد تيقّظ قبلهم، وأدرك لعبتهم، ويعلم ما يجري في خبايا خططهم المبطّنة بمصالحهم الفردية، وأن موقفهم قد أصبح صعباً إن هم واصلوا الاستهانة بشعوبهم، فالشعب أكبر من الاستهتار به، والوطن أثمن من ثرواتهم التي يتهافتون على جمعها.
وأن حكايتهم مع التصريحات الرنّانة والشعارات البرّاقة قد أشرفت على سطر نهايتها الأخير، لأن الشعب ابتدأ برسم نقطة الوقوف عند آخر سطر تمثيليتهم، التي جرّت على الجزائر المزيد من التراجيديا، إنما ليست كتراجيديا شكسبير التخيلية، بل تراجيديا الجزائريين الواقعية، وأن الشعب الجزائري قد قرر أن يزرع آماله بنفسه، ليحصدها في نهاية المطاف واقعاً مزهراً بالفعل.
وما نريد إلا الإصلاح، وما توفيقي إلا بالله.