عندما يطغى السياسي على الاقتصادي/أ.د مسدور فارس

كان معي في البيت ثلاثة زوار: إمام، وطالب، وتاجر قضى بلندن بضعة أشهر في سنة2011، فكان مما حدثنا به أن في انكلترا أناساً كثيرين يعالجون أمراضهم بالدعاء والصلاة، لا يتجهون إلى طبيب، ولا يتعاطون دواء، وقال إن هؤلاء في الازدياد يوما بعد يوم.
وقد سألني الطالب عن هذا العلاج، هل هو صحيح؟ وإذا كان صحيحاً فكيف تفسيره؟
فقلت للطالب: الناس صنفان: أهل الإيمان والتقوى، فهؤلاء يسهل عليهم الاقتناع بجدوى هذا الاستشفاء، أما الآخرون الذين تعودوا الرجوع في تعليل الحوادث إلى الأسباب الطبيعية فهؤلاء يعدون هذا النوع من العلاج خرافة وخيمة العواقب!
على أن الدكتور (كالب صليبي) الباحث العصري المدقق نظر في الموضوع من كل أطرافه، فتبين له أن المعالجة بالإيمان مبنية على أساس علمي صحيح، يرجع إلى تسلط العقل على البدن، فالمريض المؤمن يشفى لأن إيمانه القوي بتوقع الشفاء القريب يساعد على برئه.
وهذه النظرية صحيحة يعرفها الكثير، ومن هنا فالذي يعافى من مرض ما، إذا عالم عند من يرتاح إليه من الأطباء نفسيا يشفى من علته، وإن لم يكن ما هرا في الطب، بخلاف ما إذا عالج عند من لا تميل إليه نفسه، فإن علته قد تطول وإن كان ماهرا في الطب.
ولاشك أن جدوى الإيمان إنما هو في الأمراض العصبية والنفسية، وأما الأمراض العضوية كالتهاب الرئة، واحتقان الكبد، وسائر الأمراض البدنية كالكسور والجروح ونحوها، فلا نرى العلاج المعنوي يفيد فيها، ويبقى القرآن مع ذلك راحة وأنسا للمريض!
يقول الله تعالى في سورة الإسراء:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً} (الإسراء:82).
قال الإمام الألوسي في تفسيره لهذه الآية: آيات الشفاء ست هي:
1-{وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ}(التوبة:14).
2-{وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ}(يونس:57).
3- {فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ}(النحل:69).
4-{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء}(الإسراء:82).
5- {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}(الشعراء:80).
6-{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء}(فصلت:44).
ونقل الإمام عن السبكي: إنها جربت كثيراً.
أما الإمام الرازي فبعد أن يذكر أن القرآن الكريم شفاء من الأمراض الروحية التي هي نوعان: الاعتقادات الباطلة، والخلاق المذمومة، يقول: وأما كونه شفاء من الأمراض الجسمانية فلأن التبرك بقراءته يدفع كثيرا من الأمراض.
وروى الإمام البخاري من طريق يونس عن ابن شهاب عن عروة عن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:
“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}(الإخلاص:1)، وبالمعوذتين جميعا، ثم يمسح بهما وجهه، وما بلغت يداه من جسمه. قالت عائشة: فلما أشتكي كان يأمرني أن أفعل ذلك به. قال يونس: كنت أرى ابن شهاب يصنع ذلك إذا آوى إلى فراشه”، وهذا علاج للجسم بالقرآن.
وتحدث الإمام ابن باديس عن آية الشفاء، ثم قال:
نتناول القرآن العظيم دواء من عند ربنا، شفاء لأمراض عقولنا، وأمراض نفوسنا، وأمراض مجتمعنا، فنتطلب ذلك منه بتدبر آياته، وتفهم إشاراته، ووجود دلالاته وشفاء أيضا لأبداننا، فنفعل كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه.