قضية فلسطين والتحولات السياسية
لا يختلف اثنان في أن القضية الفلسطينية، هي قضية الأمة المركزية، وأنّ الصراع بين الحق والباطل، لا يمكنه أن يتجاوز هذه القضية إلى قضايا أخرى، قد تكون في ميزانه ذات أهمية وضرورة، إلاّ أنّ كلّ القضايا الأخرى يجب أن تخدم قضيتنا المركزية، وألا نعطيها من الأهمية ما ينسي هذا الجيل، قضية الصراع الحقيقية، وهو الصراع العربي الصهيوني، وبشكل أعم صراع العالم الإسلامي مع دولة الكيان الصهيوني، التي زرعها الغرب الاستعماري في جسد الأمة الإسلامية، واليوم والأمة تشهد حالة تغيير كبير في المجال السياسي، وتصارع أعتى أنظمة الاستبداد، ومن ورائها الدعم اللامحدود الذي تقدمه دول الاستعمار الغربي، الذي مازال يعبث في بلادنا، ويحدد سياساتها ويتحكم في قراراتها، يجب على الأمة العربية والإسلامية، نخباً وسياسيين وهيئات علمية وأهلية، أن تسعى جاهدة من أجل أن تبقى قضيتنا المركزية حاضرة في وعي الأجيال الجديدة، وألا نشغل الأمة إلا بما يخدم هذه القضية، وحتى انشغالنا بالتغير الذي ننشده لامتنا، لا يجب أن يتجاوز قضية فلسطين وصراعنا مع الكيان الصهيوني الغاشم، الذي يبدو أنه استفاد من هذه المرحلة الحرجة في تاريخنا المعاصر، وأكثر من ذلك قدرته على تحويل الصراع من الخارج إلى الداخل العربي الإسلامي، ولم نعد نسمع بمفردات اعتدنا سماعها وترديدها، من قبيل، العدو الصهيوني، والصراع العربي الصهيوني، والمقاومة، والانتفاضة الفلسطينية، بل أصبحنا نسمع عن الصفقات التي يجرها هذا النظام العربي أو ذاك، مع دولة الكيان الصهيوني، بل يقدم لها الخدمات والضمانات، ويحسب لها ألف حساب في أي تحولات سياسية جارية هنا أو هناك من بلادنا العربية والإسلامية، بل وصل الأمر ببعض الأنظمة الفاجرة، بالمحافظة على أمن هذا الكيان على حساب أمنها القومي، وتأكد لكل ذي عقل سليم، أن أغلب الأنظمة المحاذية للكيان الصهيوني، لم تكن سوى أنظمة حارسة لحدود هذا الكيان، ألم يصرح بشار الأسد، بأن القضاء على الثورة السورية، ضمان لأمن دولة الكيان الصهيوني، وأن سقوط نظامه سيأتي بنظام يشكل خطراً على أمن هذه الدولة النشاز، ومع هذا مازال هناك من يعتقد أن هذا النظام نظام ممانعة ومقاومة، ألم يصرح ضباط صهاينة، بأنهم قدموا دعماً عسكرياً للنظام المجرم في دمشق، من أجل القضاء على الجماعات المتطرفة، التي سيكون خطرها على المنطقة كبيرا، وهل ينكر إنسان متابع للشأن السياسي المصري، الدور الصهيوني في إسقاط النظام الشرعي، والدعم الواضح للانقلابيين من عسكر وتيارات ليبرالية حقيرة، وتصريحات المسؤولين الصهاينة تؤكد هذا في أكثر من موقف، ومع هذا نجد من يقول أنّ مرسي كان صديقاً للغرب وللكيان الصهيوني، وأن الانقلاب عليه ضرورة قومية، وأن استبداد نظام العسكر، أرحم من ديمقراطية الإسلاميين.
لقد لعبت أنظمة الاستبداد بالقضية الفلسطينية، ولم تكن سوى أداة تعطيل لحلها والدفاع عن أهلها، وما أنتجته هذه الأنظمة -من خطاب المقاومة والممانعة- لم يكن سوى أداة لإسكات الشعوب المغلوبة على أمرها، التي صدقت، يوماً ما، أن هذه الأنظمة تريد حقاً تحرير فلسطين، وظنت أن هذا الزعيم العربي أو ذلك، مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، لتكتشف أن الأمر لا يعدو أن يكون زوبعة في فنجان كما يقولون، وأن كل هذا الخطاب الممجوج ليس سوى ألعاب لغوية بتعبير لودفيج فتجنشتين، صدقها الجيل الذي عايش القضية الفلسطينية وشهد لحظات اغتصابها، وتشبع بفكرة استرجاع فلسطين، وتربى على ثقافة الجهاد والتضحية، واليوم وقد تأكد لنا كأجيال تربت في أحضان الحركة الإسلامية، وتشبعت بحب فلسطين، من إندونيسيا إلى المغرب الأقصى، أن مسؤولية قضيتنا المركزية لا يمكن أن تبقى في يد الأنظمة الاستبدادية الحاكمة في بلادنا، فقضية فلسطين أكبر من أنظمة عميلة تابعة للغرب ومشروعه الاستعماري، بل يجب على الأمة بمجموعها أن تتحمل مسؤوليتها تجاه فلسطين، وأن محور التغيير الذي بدأ في مغرب العالم الإسلامي، وامتد إلى مشرقه، لابد أن يجعل من قضية فلسطين مرتكز الصراع، مع أعداء الأمة، فسقوط أنظمة الظلم والاستبداد هو بداية لنهاية أسطورة الكيان الصهيوني، فلنجعل من فلسطين نقطة بداية التغيير. وللحديث بقية.