مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

فرنسا الاستعمارية وحملاتها الصليبية. /.الأستاذ: عبد الحميد عبدوس

ABDOUS2أخذ التدخل العسكري الفرنسي في إفريقيا الوسطى طابعاً صليبياً بشهادة العديد من سكان جمهورية إفريقيا الوسطى من الأقلية المسلمة التي تتعرض إلى حملات تصفية، وانتقام، وتهجير جماعي، في ظل الحماية التي توفرها القوات الفرنسية للجماعات المسيحية المسلحة. ففي أقل من عام قرر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إرسال القوات الفرنسية – تحت غطاء الأمم المتحدة- إلى بلدين إفريقيين هما المالي وإفريقيا الوسطى.

بدأت فرنسا تدخلها العسكري في مالي في بداية العام 2013 بحجة إيقاف تقدم حركة التوحيد والجهاد، وحلفائها في مالي نحو العاصمة المالية، وقد أحبط التدخل العسكري الفرنسي محاولات إنضاج حل سلمي سياسي بين الأطراف المتصارعة في مالي، حيث كان من المقرر عقد اجتماع بين الحكومة المالية وحركة أنصار الأزواد في عاصمة بوركينافاسو في 21 جانفي 2013،لتوقيع اتفاق ينهي الصراع المسلح، ولكن التدخل الفرنسي وإن كان قد نجح في وقف تقدم حركة التوحيد، والجهاد، وتفكيك جماعة أنصار الدين، إلا أنه لم ينجح في معالجة الأزمة المالية من جذورها، وترك السكان الماليين من ذوي الأصول العربية والطارقية عرضة لاستمرار التمييز و المظالم التي كانت سببا في اندلاع التمرد والمواجهات بين سكان الشمال، وسكان الجنوب بسبب التنوع العرقي بين هؤلاء السكان، والذي جاء نتيجة الحدود المصطنعة التي فرضها الاستعمار الفرنسي على منطقة غرب إفريقيا التي خضعت له منذ نهاية القرن التاسع عشر، وهذا التقسيم الجغرافي المصطنع ترك خللا بين سكان جنوب مالي ذوي الأصول الزنجية من إثنية “البومبارا” التي سيطرت على الحكم منذ استقلال البلاد في سنة 1960 وظلت هي المستفيد الأكبر من عائدات التنمية والثروة على حساب سكان الشمال من الطوارق والعرب المحرومين من السلطة والثروة، ومع ذلك فلم تتحرك فرنسا عسكريا إلا لمنع تغيير موازين القوى بين سكان الجنوب، وسكان الشمال بدعوى التصدي للإرهاب والتطرف الإسلامي.

وفي إفريقيا الوسطى ظل المواطنون المسلمون يتعرضون لظلم وتمييز أنظمة الفساد والتسلط التي حكمت البلاد منذ استقلالها في سنة 1960، ولم تتدخل فرنسا إلا في سنة 2006 عندما هددت قوات المعارضة المسلحة المشكلة من فصائل ذات الغالبية المسلمة نظام الجنرال فرانسوا بوزيزي الذي وصل إلى الحكم بعد قيامه بانقلاب عسكري على الرئيس المنتخب في سنة 2003، وظل الرئيس فرانسوا بوزيزي “رجل فرنسا”يتمتع بالسلطة المطلقة في جمهورية إفريقيا الوسطى رغم تورطه في الرشوة والنهب، والفساد، وتصفية المعارضين، والتزوير الانتخابي والتمييز الديني، ولكن بعد أن تمكنت قوات “السيليكا” المعارضة دخول العاصمة بانغي في مارس 2013، وأصبحت على مقربة من القصر الرئاسي، لاذ بوزيزي الديكتاتور الدموي بالفرار بعد بقائه عشر سنوات كاملة في الحكم، و لم تهضم فرنسا إزاحة عميلها المفضل من الحكم فقررت من جديد التدخل عسكريا وإرسال 1600 عسكري لإيقاف حركة التغيير في إفريقيا الوسطى. ومثلما فعلت في تدخلها في مالي مع دول غرب إفريقيا، لجأت مجددا إلى إملاء أوامرها على دول وسط إفريقيا المجاورة لجمهورية إفريقيا الوسطى لمساندة تدخلها العسكري، وانتزعت – كالعادة- غطاء الأمم المتحدة وتضامن الاتحاد الأوربي لتدخلها العسكري، بحجة إيقاف الحرب الأهلية، والجميع كان يعرف أن الرئيس الهارب فرانسوا بوزيزي هو من كان يقف وراء تحريك عصابات مسيحية مسلحة متكونة أساسا من أنصاره وجنوده السابقين لمقاتلة القوات الحكومية للرئيس ميشال دجوتوديا أول رئيس مسلم لدولة إفريقيا الوسطى بعد 64 سنة من “الاستقلال” الشكلي عن فرنسا، والرئيس دجوتوديا الذي رفعته حركة “السيليكا” المتكونة من فصائل مقاتلة ذات أغلبية مسلمة إلى الحكم بدأ يهدد النفوذ الفرنسي في هذه الدولة الإفريقية الغنية باليورانيوم، ونقلت عنه جريدة “لوموند” الفرنسية، أنه قال للسفير الفرنسي: “إن السلم في البلاد يتطلب حماية المسلمين، وإذا كنتم غير قادرين فسنذهب إلى الشمال” في إشارة إلى إمكانية اللجوء إلى فصل الشمال ذي الأغلبية المسلمة عن الجنوب المسيحي.

هذا الموقف جعل فرنسا تعطي أمرا لدول مجموعة دول وسط إفريقيا الدائرة في فلكها للضغط على الرئيس المسلم دجوتوديا للاستقالة، وفسح المجال لتسليم السلطة إلى رئيس (رئيسة) انتقالي من المسيحيين في إفريقيا الوسطى، ولم تؤد استقالة دجوتوديا إلى توقيف الحرب الأهلية، ولكنها أدت إلى تصاعد أعمال القتل والتهجير للسكان المسلمين، بعد أن قامت القوات الفرنسية بتجريد عناصر “السيليكا” المسلمين من أسلحتهم، وقتل العديد منهم، وتعرض المواطنون العزل من المسلمين إلى الذبح، والسحل، والحرق في شوارع مدينة بانغي، تحت أنظار و تواطؤ القوات الفرنسي التي تدخلت بحجة “منع أنهيار الدولة وانزلاق الأمور نحو حرب دينية”.

لقد كان الضحايا الحقيقيون للتدخل الفرنسي في إفريقيا هم المسلمين، سواء أكانوا من المعارضة في مالي، أو من القوات الحكومية في إفريقيا الوسطى، فمن يصدق بعد هذا التدخل العسكري الفرنسي أن الحروب الصليبية قد أصبحت من إرث الماضي؟!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى