هذه هي الخطوة الأولى على الطريق الصحيح…/أ.محمد العلمي السائحي
إن تأسيس ” مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية” الذي أعلنت عنه مؤسسة الشروق يعد في نظري نقلة نوعية في التفكير، فأخيرا انتبه الجزائريون إلى أهمية هذا النوع من المؤسسات البحثية ودورها الهام الذي تسهم به في النهوض الحضاري، وتمكين المجتمعات من الأخذ بأسباب التقدم والتطور في جميع الميادين.
إن ما نشكو منه من تخلف شديد في كل المجالات يرجع ولا شك إلى سوء التسيير، وعدم امتلاكنا للتكنولوجيات المساعدة على التطور الزراعي والصناعي والخدماتي، في الصحة والتعليم والنقل والسكن، وافتقارنا لمثل هذه التكنولوجيات مرده إلى التخلف العلمي الناتج أساسا عن غياب المؤسسات البحثية المتخصصة، التي تأخذ على عاتقها وضع الحلول المناسبة التي تعترض الإنسان الجزائري في مجال التسيير والإدارة أو في الإنتاج الزراعي والصناعي، بل حتى على المستوى السياسي نفسه، فالأخطاء السياسية التي يقع فيها قادتنا منشأها التسرع والارتجال، ولو أنهم رجعوا في قراراتهم إلى أهل الخبرة والاختصاص، لجاءت قراراتهم سديدة، وكانت إجراءاتهم فعالة ومفيدة.
إن أهمية مثل هذه المؤسسات لا تكمن في كونها تقدم لنا حلولا لما قد يعترضنا من مشاكل في هذا المجال أو ذاك، بقدر ما تكمن في كونها تساعدنا على ربح الوقت وتوفير المال وحفظ الأنفس، وذلك لأنها تجنبنا الوقوع في الكثير من الأخطاء التي لا تجبر، فالخطأ في المجال الصناعي أو الزراعي يتلف الأموال، والخطأ في المجال السياسي يذهب بأرواح الرجال.
ثم إن هذه المؤسسات البحثية هي التي تتكفل بتنمية قدرات الباحثين وتحسين كفاءاتهم البحثية، بما تضعه بين أيديهم من إمكانيات، وتوفره لهم من أدوات ووسائل، بل حتى بما تطرحه عليهم من تحديات، وهي التي تعطي للتعليم الجامعي معناه، إذ تتيح لخريجي الجامعات استثمار ما اكتسبوه من معارف، وتوظيف ما تعرفوا عليه من مناهج طيلة مشوارهم الجامعي، فهي إذن تثمن التعليم الجامعي وتكمله.
وهي إلى ذلك ستضمن للجزائر الحصول على خبرات بحثية متنوعة تعزز كوكبة الباحثين التي تمتلكها الجزائر، بما يجعلها أقدرا على مواجهة المواقف الصعبة مهما كانت.
والأهم من هذا وذاك أن هذه المؤسسة ومثيلاتها في الوطن، ستسهم في تعزيز الأمن القومي للبلاد، إذ كلما تحسن الوضع الاقتصادي والاجتماعي أسهم ذلك في الاستقرار السياسي وأكسب ذلك المجتمع حصانة ضد المؤثرات السلبية الخارجية.
غير أنه من المهم أن ننبه أن مؤسسة واحدة فريدة لا تكفي، بل ينبغي التفكير جديا في تعزيزها بنظيراتها، فعلى المؤسسات الاقتصادية والثقافية والإعلامية الأخرى، أن تحذو حذو مؤسسة الشروق في تأسيس المراكز البحثية.
ونحن وإن كنا نرفع كل آيات الشكر والتقدير لمؤسسة الشروق، ورئيسها السيد علي فضيل على هذا المنجز الهام، فإنه لا يفوتنا أن نهيب بالدولة أن تدعم هذه الجهود الخيرة التي ترجع بفائدتها على عموم الوطن، وأن لا تغفل عن أن تطوير البحث العلمي والنهوض به هو من مسؤوليتها هي أولا وأخيرا، وأن مبادرات الخواص في هذا المجال يصب جهدها في التعزيز والإثراء، فالدولة بما لها من علم بالتحديات التي يعرفها المجتمع الجزائري، والعراقيل التي تعترض طريقه وتعيق تطوره، وبما تملك من إمكانيات كبيرة، هي الأعرف بنوعية المراكز البحثية التي نحتاج إليها،والأقدر على تشييدها وتمويلها، وهذه المبادرات التي قامت بها الجهات الخاصة لا تعفيها من مسؤوليتها في هذا المجال أبدا.
نعم إن إنشاء مؤسسة الشروق لهذا الصرح العلمي الهام، هو بمثابة الخطوة الأولى في طريق النهوض بالمجتمع الجزائري والسير به نحو التقدم والازدهار، وتأكيد تحرره واستقلاله، حيث أن المجتمع الذي يلجأ إلى مكاتب ومراكز الدراسات الأجنبية لحل مشاكله وقضاياه ليس له أن يدعي الحرية والاستقلال، وإن رفعت له الرايات، وتعالت الأناشيد والهتافات، لأن الاستقلال الفعلي لن يتأتى إلا بتحرير العقول أولا وأخيرا، كما قضا بذلك الشيخ محمد البشير الإبراهيمي يوم قال قولته التي لازال يتردد صداها فينا إلى اليوم:” محال أيتحرر بدن يحمل عقلا عبدا” فتلك إذن خطوة أولى على الطريق الصحيح ينبغي أن نتبعها بخطوات وخطوات…