مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

صلوات إلى العام الجــــديد

أ.د. عبد الرزاق قسوم - رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

في الوقت الذي يعربد فيه الغرب النصراني سكرانا، ونشوانا، قربانا وعدوانا، باسم المسيح ابن مريم المظلوم.
وفي الوقت الذي تهرق فيه ملايين الأطنان من الخمور، وتهتك فيه مئات الملايين من حالات المنكرات والفجور، إحياء لميلاد سيدنا عيسى الطاهر المغدور
في هذا الوقت بالذات، يمتزج أزيز الطائرات العسكرية، المغيرة على الثغور في فلسطين، واليمن، وفي ليبيا، والسودان، وخضراء الدمن، من شتى أنحاء عروبة الوطن.
هكذا هو حال العالم اليوم؛ في الغرب أفراح، وفي الشرق غمة، يرقص البعض نشوانا، ويموت البعض الآخر عريانا، ظلما وعدوانا.
يحدث كل هذا، استقبالا للعام الجديد وتوديعا، لأيام العام المنصرم، الذي ابتلينا فيه بكل ألوان المآسي، بدءا بالجوع، والحرب، وانتهاء بوباء كوفيد القاصي.
ففي حين يتطلع الإنسان الغربي، بعد النشوة، إلى المزيد من التنمية في ظل الاستقرار والانتصار، يعيش الإنسان في وطننا العربي والإسلامي خائفا يترقب، تحت وطأة معاناة القصف والتشريد، أو الاعتقال والتهديد، أو محنة التطبيع والتهويد.
ولا يكاد يستثنى جزء واحد من أمتنا من هذه المآسي والمحن، من أفغانستان إلى اليمن.
فهل أحدثكم عن اليمن وعاصمته عدن؟ إنه يعاني «الحرب العبثية» كما قال الإعلامي اللبناني، هذه الحرب التي لا يعرف فيها من يقتل من؟ وبسلاح من؟ ومن هو الوفي فيها أو الخائن للوطن؟
قضت الحرب على ما كان يعرف باليمن السعيد، فما من أبنائه إلا طريد أو شريد.
وتعالوا بنا إلى السودان المتعدد الأعراق والألوان ! ماذا دهى هذا الجزء الغالي من الوطن العربي، حتى تحول أمنه إلى خوف، واستقراره إلى حيف، وأحكامه إلى سيف؟
هل يدرك القائمون على الشأن في السودان اليوم، أي جرم ارتكبوه في حق شعبهم ووطنهم؟ فهم يذيقونه لباس الجوع والخوف، والهدف مجهول، والفاعل والمفعول به مقتول.
ولنمد الخطى إلى ليبيا، هذا البلد الوديع الطيب، صاحب الشعب الرفيع الأطيب.
لقد سطا عليه الظالمون والمعتدون فقضوا فيه على معنى الدولة والجيش، وسلبوا منه حلاوة الاستقرار والعيش.
إن ليبيا عمر المختار، التي كانت رمزا لمقاومة الاستعمار، حولها الغادرون بها إلى عنف ودمار، غدر بها البعيد والجار فحولها إلى قحط وقفار.
عجزت اليوم –بعدما عاث فيها المفسدون-، عن لملمة جراحها، وتجاوز أتراحها، فأصبح يتنازعها، إخوان متشاكسون، فحال بينها وبين انبثاق ميثاق حوله يجتمعون، وفي ظله ينتخبون.
فهل يأتي من طرابلس الغرب، بعد مرحلة الحرب، والضرب، هل يأتي ما يطمئن القلب، ويحمي الظهر والجنب؟
وكنا نعلق الآمال على تونس، التي كانت بربيعها الخاص تؤنس، ولكن –واأسفاه؟- ها هي اليوم صارت توحش، فقد دبت الخلافات بين التونسيين الأشقاء والأقارب، فلا تعرف إلى أين تسير تونس اليوم، وهي تعاني مخاضا عسيرا، فالشقاق الحزبي، والغليان الشعبي، أفسد على تونس كل معنى للتوافق القلبي، والتقارب الشرقي والغربي.
أليس في تونس علماء أجلاء، فطاحل معروفون؟ ألم تتميز تونس بحكمة ساستها، وتعقل سياستها، ومنهجية دراستها؟
كيف تحولت تونس اليوم، بقدرة قادر، إلى شوارع تعج بالفوضى والفتن، وإلى أحزاب تدفع إلى إحداث المصائب والمحن؟
هذه العينات مما يعيشه وطننا العربي مشرقا ومغربا، قد جعلت الحليم حيران، وأذاقت الجميع، من المحن والمصائب، كل الألوان.
يحدث هذا والعالم يودع عاما ويستقبل آخر.. إن الجميع يتطلعون إلى العام الجديد، فيناجونه، على العكس من الماجنين، والمعربدين، بابتهالات وصلوات.
فيا أيها القادم إلينا من عالم الغيب والأقدار ! إن قلوبنا المكلومة بكل أنواع الغيظ، والإحباط، والانكسار، لتتطلع إليك بابتهالات وصلوات نتوجه بها إلى العلي القهار، أن يحول ليلنا إلى نهار، فتزول عنا ما نعانيه من أكدار، ونقضي على ما أصبنا به من أعراض الاندحار والانكسار.
إننا نرفع أكف الضراعة، إلى أن يمن الله على وطننا العربي بالحاكم الذي يحسن الإصغاء إلى آهات وأنات الجموع، وأن يوقظ الغافلين من المغزوين والمنسلبين، بين ربوعنا إلى اليقظة من السبات، والأخذ بمقومات النهوض والحياة.
فهل نشهد في هذا العام الجديد ما ينسينا آلام ومصائب العام المنصرم الشديد؟ نحن نعيش إذن على هذا الأمل، بشرط أن يصحب ذلك الوعي والعمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى