الأساتذة وعمَّال التربية في إضراب جديد ./أ.حسين لقرع
كثرة الإضرابات أحد أسباب تراجع مستوى التلاميذ
يعيش أولياءُ ملايين التلاميذ هذه الأيام قلقاً كبيراً بعد إعلان نقابتين للأساتذة وعمَّال التربية الدخولَ في إضراب مفتوح يشل المؤسسات التربوية ابتداءً من 26 جانفي الجاري بهدف تحقيق جملة من المطالب القديمة التي تُتهم وزارة التربية بالتماطل في تلبيتها منذ أشهر.
ويخشى الأولياء أن تكون للاضراب الجديد انعكاساتٌ سلبية حادة على أبنائهم لاسيما وأنه لم يتم بعد تجاوز الآثار السلبية للاضراب الأول الذي شنه الأساتذة منذ أسابيع عديدة ودام 11 يوماً كاملاً.
يبدو أن نقابات التربية قد “أدمنت” الاضرابات، فلا تكاد تُنهي إضراباً وتعود إلى العمل لبعض الوقت حتى تقرّر الدخول في إضراب آخر جديد، يصيب المدرسة الجزائرية في العمق من خلال التأخر المسجل في الدروس، ما يدفع وزارة التربية في كل مرّة إلى إعلان “عتبة للدروس” التي سيُمتحن فيها الطلبة ولاسيما في الامتحانات المصيرية قصد تفادي تسجيل نسبة إخفاق عالية في الامتحانات.
ولقد تصاعدت حدّة الاضرابات في العشريتين الأخيرتين بشكل لافت للانتباه، إذ لا يمرّ موسمٌ دراسي دون تسجيل إضرابات جديدة تشل المؤسسات التربوية، وتُلحق اضطراباتٍ بسير الدروس، ما يربك التلاميذ ويجبرهم في كل مرة على الاستنجاد بالدروس الخصوصية لدعم مستوياتهم في شتى المواد واستدراك ما فاتهم، حتى أصبحت هذه الدروس “موضة” وإحدى أبرز الظواهر الاجتماعية الجديدة في الجزائر في السنوات الأخيرة.
وفي البداية كانت هذه الاضرابات تحظى بتعاطف التلاميذ وأوليائهم، وتأييدهم لمطالب الأساتذة المشروعة، وفي مقدمتها مطلب رفع الأجر بشكل محسوس؛ فأجور المعلمين والأساتذة كانت في الحضيض، وكانت هذه الفئة تعيش خصاصة غير مبرّرة تكاد تلامس حدود البؤس أحياناً بالنظر إلى ضحالة أجورهم التي كانت في أدنى سلمِّ رواتب الموظفين، حتى أن ذلك كان أحد أسباب زهد التلاميذ في طلب العلم والاتجاه إلى البحث عن التجارة وغيرها من المهن لكسب مدخول محترم، وهو ما يُعدّ إهانة وهدراً للكرامة البشرية لهذه الفئة التي تشرف على تدريس ملايين التلاميذ وتكوين أجيال الغد.
ولهذا كانت إضرابات المعلمين والأساتذة تحظى بتأييدٍ إجتماعي واسع وكان الأولياء يحمِّلون مسؤولية ما يحصل في المدرسة من اضطرابات للوزارة والسلطات وحدها لأنها كانت ترفض الاستجابة للمطالب العادلة للأساتذة وتصرُّ على إذلالهم وتهميشهم من خلال منحهم أجوراً بخسة.
لكن الوضع تغيَّر بشكل محسوس في السنوات القليلة الماضية، وبدأت أجورُ هذه الفئة تشهد تصاعداً تدريجياً إلى أن بلغت مستويات معقولة وأصبح أجر أستاذ الابتدائي يتجاوز الأربعين ألف دينار والمتوسط 50 ألف دينار والثانوي ستين ألف دينار دون احتساب منحة المردودية، فضلاً عن مكاسب أخرى تخص السكن والخدمات الاجتماعية وغيرها، وأصبحت وزارة التربية أكثر استجابة لمطالب نقابات التربية مقارنة بما كانت عليه قبل نحو 10 سنوات فقط، وأضحت تجلس معها باستمرار على طاولة المفاوضات وتناقشها في مطالبها وتُبدي مرونة في الاستجابة لها تدريجياً وفي حدود المستطاع، وحتى حينما أضربت إحدى النقابات منذ أسابيع للمطالبة باعادة ادماج أستاذٍ نقابي مفصول بالبويرة لأسباب إنضباطية رضخت الوزارة واستجابت للطلب حفاظاً على مصلحة التلاميذ.
وفي ظلِّ ما تقدّم، فإن مسارعة نقابتين للتربية إلى إعلان إضراب مفتوح يوم 26 جانفي لشل الدراسة، أزعج الأولياء أيما إزعاج، لاسيما وأن مطالب النقابتين المنشورة في الصحف لا تبرّر القيام بإضراب مفتوح قد يدوم طويلاً ويُحدِث إضطراباً جديداً في الدراسة وتأخرا كبيرا في الدروس قد يتعذر معه تدارك الأمر في الوقت المناسب، وسيشكل ضغطاً شديداً على التلاميذ، وقد كان بالامكان الإكتفاء باضراب محدود يدوم يوماً إلى ثلاثة أيام، أو ليوم في كل أسبوع، بغية الضغط على الوزارة ولكن مع ترك المزيد من الوقت لها لتلبية مطالب النقابتين، عوض القيام باضراب مفتوح يعقِّد وضع التلاميذ أكثر.
لقد أضحت هذه الإضرابات المتكررة في قطاع التربية أحد الأسباب الرئيسة للتراجع المستمرّ لمستوى التلاميذ، وحتى نقابات التربية تعترف بذلك دون مواربة، فهذا الصادق دزيري، المكلف بالاعلام في نقابة عمال التربية والتكوين يصرِّح بأن عدم إكمال المقررات الدراسية كل سنة واللجوء إلى تحديد عتبة الدروس الخاصة بالامتحانات يُعدّ أحد أسباب تدهور مستوى خريجي المدرسة الجزائرية، والمتأمل في هذا التصريح يستنتج بأنه يدين النقابات لأنها هي المتسبِّب في تأخر الدروس في كل عام بلجوئها في كل مرة إلى شنّ سلسلة اضرابات لاجبار الوزارة على تلبية مطالبها، وإن كان صاحبُ التصريح يقصد منه تحميل وزارة التربية المسؤولية بتقديمه لها على أساس أنها تتعنَّت في تلبية مطالب النقابات ما “يُجبرها” على الدخول في الإضراب تلو الآخر في كل موسم دراسي لتحقيق مطالبها، ما يفضي في الأخير إلى عدم استكمال المقرر الدِّراسي.
ومهما يكن من أمر، يبقى الأولياء يراهنون على اتصالات ومفاوضات غير رسمية بين الوزارة والنقابات هذه الأيام للتوصل إلى تسوية تجنّب ملايين التلاميذ شرّ الإضراب، وتمكّنهم من مواصلة دراستهم في الأشهر الخمسة المتبقية من عمر السنة الدراسية في كنف الاستقرار والهدوء.