مـــــــولد النبي../ أ.د عمار الطالبي
كان العالم في عصر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عالما متداعيا، شوهت عقائده، واختل نظامه، فلم يعد الإنسان فيه مطمئنا إلى ضميره، كما لم يعد يأنس إلى نظام دولة تعدل بين الناس وتسوي بينهم أمام القانون، وتحمي الخلق، وتحافظ على كرامة الكائن البشري.
أما التوحيد فقد غشيته غشاوات، ودنست طهره ضلالات، وذهبت بصفائه انحرافات، وأصابه في صميمه تشويه، ورانت عليه مظاهر الشرك، وأوضار الوثنية، وأوهام التشبيه الغليظ، والتجسيم الذميم، وأضافت إليه العقلية الوثنية الحسية ما أضافت من صنوف الأهواء، وظنون الكهان، ونزعات ذوي الأطماع والشهوات، ورغبات طواغيت الكهنوتية، فاندثرت حقائق الدين، وشوهت بالمجادلات المذهبية والرسوم والأوضاع المنحرفة المبتدعة، وتداعت معالم الحضارات بما أنهك الناس من حروب الرومان والفرس، فاشتغلت بيزنطة بالجدل العقيم، وغرقت فارس المجوسية في الفتن، ونضبت فيها بواعث الحياة، ومدد القوة فأصبحت أمة آيلة إلى التداعي والأفول.
وأمام هذا العالم المتداعي الذي كتب عليه أن ينقض جداره، وتهوى صروحه، أمة تتأهب وتبحث عن مصيرها، وتنسج وجودها في عالم المستقبل قد تفطن أذكياؤها إلى ما هم فيه من فراغ، ومن حاجة إلى عقيدة صحيحة، وإلى وهن ما هم فيه من دين، وحقارة ما هم عليه من وثنية وتعلق بالأصنام، فقال لهم: (والله ما قومكم على شيء وإنهم لفي ضلال..فما حجر يطيف به، لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، ومن فوقه يجري دم النحور، يا قوم التمسوا لكم دينا غير هذا الدين الذي أنتم عليه) وبالجملة فإن العالم في ذلك الحين كان يتطلع إلى من يجدد حياته، ويثور على أوضاعه، فيقيم ما فسد ويبني معالمه التاريخية الاستقبالية، بإحياء ضمائر الناس، وإرساء الأخلاقية الفعالة والعقلانية الهادية، والحركة العلمية المبدعة، أي أن العالم أصبح في حاجة إلى أن يولد ولادة جديدة.
إن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، إعلان عن طلوع فجر عالم جديد، وعن ملامح أمة تخرج للناس، وسمات حضارة تشرق بينهم، وحقائق تاريخ تنبثق من الصحراء، ومن ضمير إنساني أصيل، يوجه السلوك، وعن روح عالمية شاملة تكون رحمة وطمأنينة لكل قلب محي، قلق ظامئ.
ولد النبي صلى الله عليه وسلم في أسرة وسطى فلا هي متوفرة متجبرة، ولا هي ضعيفة تحتمل الأذى وتصبر على الكريهة، إنما هي أسرة ذات نسب عريق، وسماحة وتقوى، وخلق وشهامة، هي بيت عبد المطلب شيبة الحمد من صميم قريش، ومن بين المكرمين فيه، نشأ النبي صلى الله عليه وسلم، يتيما، ولكنه ليس كاليتامى، فانطوى على التأمل والنظر في أحوال قومه، تكون لسانه بين أفصح الألسن وأبينها، وتربت سليقته بين أصفى السلائق وأجملها، اختبر ضروبا من الحياة، عاش في البادية وفي المدينة، رعى الغنم، واشتغل بمعاملة الناس، في التجارة، وشهد المواقف الحاسمة في الأحلاف والحروب، عرف الفقراء، وشاهد سادة قريش وأثرياءها، وعلم حياتهم، فقير، ذو صباحة محبب إلى كل من رآه، عريق النسب لكنه ثار على الأباء والأجداد، وعلى ما كانوا فيه من ضلال في العقيدة، وانحراف في التقليد فدعاهم إلى اتباع النور وإلى ما اهتدى إليه من حق، وإلى نبذ التقليد واللجوء إلى العقل، وإلى ضياء الفكر، وهداية الضمير: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}البقرة170.
إن محمدا صلى الله عليه وسلم رجل حي مفعم بدوافع الحياة وليس ناسكا هزيلا من عباد الصوامع الذين كبتوا كل ما بين جوانحهم من مشاعر الحياة وأماتوها، كان عابدا ولكنه كان مفكرا، وكان متحدثا ينفذ إلى القلوب والعقول، ولكنه كان عاملا يغير دنيا الناس، وواقعهم الخارجي، كما يغير نفوسهم وبواطنهم، كان إذا مشى يمشي كأنه ينحدر من جبل، لأنه حي القلب، قوي النفس، فحركاته حركات حية قوية، وإذا التفت التفت بجسمه كله، يركب الفرس فيروضه ويداعب بالمسابقة في الجري، وقد داعب عائشة رضي الله عنها، فسابقها وهو يقارب الستين من عمره، وكان يمزح ويتفكه ولكنه لا يخل بحق الصدق والمروءة اقترنت فيه القوة بالنشاط فهو آية من آيات الإنسانية في أخلاقه وسماته وسلوكه كلهن إنه زاهد في حياته لم يستمتع بطيباته رغم وفرتها إذا شاء، فلم يشبع ثلاثة أيام متوالية، قالت عائشة رضي الله عنها: لقد كنت أبكي رحمة له مما أرى به وأمسح بيدي على بطنه مما أرى به من جوع، وأقول: نفسي لك الفداء، لو تبلغت من الدنيا بقوتك، فيقول: يا عائشة مالي وللدنيا إخواني من أولى العزم، من الرسل صبروا على ما هو أشد من هذا) وقالت زوجه أم سلمى رضي الله عنها، واصفة بيت الرسول ليلة عرسها: (فإذا جرة فيها شيء من شعير، وإذا رحى وبرمة وقدر وكعب، فأخذت ذلك الشعير فطحنته ثم عصدته في البرمة، وأخذت الكعب فأدمته فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أهله ليلة عرسه). لم يكن ذلك عن عجز ولا عن كره لطيبات الحياة وإنما قنع بذلك، وأراد أن يكون قدوة، مرتفعا عن الظنون، إذ لم يكن غرضه حظوظ الدنيا، إنما راحة ضميره وقوة الإيمان هما غايته.
إن ولادة محمد صلى الله عليه وسلم، كانت فاصلا بين عالم وعالم، بين تاريخ وتاريخ، لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم فاتحا للبلدان بمقدار ما كان فاتحا للقلوب والعقول والضمائر.
وقد مر بمرحلتين من الوعي النبوي، مرحلة كانت للتهيئة والاستعداد، ومرحلة أخرى أعقبتها للتبليغ، قال ابن هشام: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراده الله بكرامته وابتذاه بالنبوة كان إذا خرج لحاجة أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها فلا يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله قال فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله وعن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى إلا الشجر والحجر فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك يرى، ويسمع ما شاء الله أن يمكث.
ثم جاء جبريل بما جاءه من كرامة الله وهو بحراء في شهر رمضان. (وقالت عائشة رضي الله عنها: وحبب الله إليه الخلوة فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده).
وهكذا فإنه لما بلغ مرحلة الوعي الكامل والنضوج أخذ في نشر الدعوة التي امتلأت بها نفسه حتى أصبح يشعر أنها تحدثه الخبر، وأصبح العالم الخارجي كله ناطقا بها. وجاءته الرسالة كلمات حية تنفذ إلى القلوب فتهزها، وتبعث فيها الحياة.
وتضمنت دعوته جانبين: جانبا روحيا وجانبا سياسيا يتمثل في النظام وفي القانون، وأصبحت دعوته دعوة دينية سياسية في آن واحد، فأذهب الغواشي التي غشيت عقيدة التوحيد وشهوتها، وأوضح الصلة بين الإنسان والله على حقيقتها، وبين الله وبين الرسول أيضا، تلك الصلة التي شوهت في كثير من الديانات فغلت في النبي وألهته أو شبه بإله أو صورت العقيدة في صورة قومية جنسية ضيقة، وبين النبي نبي الإسلام أنه مكمل لسلسلة النبوة وأنه لا تفريق بين الرسل، وأن الرسالة رسالة إنسانية مصدرها إلهي، ولم تنظر الصحابة إلى النبي نظرة تأليه ولا تقديس ولم تعتبره معصوما في الرأي فيما عدا الوحي، فنظر هو لنفسه نظرة إنسان كما ينظر إليه الصحابة أيضا.
ولم يزد على الإنسان سوى أنه يوحى إليه وأنه مثال حي عظيم الخلق فإذا صدر عن رأيه لا عن وحي فالمسلمون غير ملزمين باتباعه ولا هو بملزم لهم بل يرجع على رأي أصحابه إن تبين له أنه على غير صواب وهو معرض للخطأ من حيث هو إنسان يرى ويفكر وهو يشارك المسلمين ولا يتميز عنهم في ظاهره في ملبسه ومطعمه، وكان كثيرا ما يعمل بما يشير عليه أصحابه ويتحول عن رأيه الخاص كما وقع في غزوة الخندق وغزوة بدر.
لم يكن يوم ولادة محمد صلى الله عليه وسلم يوم الإسلام لأن ميلاده لم يكن معجزة الإسلام كما مثلنا ولذلك لم يؤرخ تاريخ الإسلام بمولده، وإنما أرخ بهجرته وبيوم نجاة الدعوة وسيادتها وتمكنها في الأرض والنفوس، في عالم كان في حاجة إلى عقيدة وإلى مسوغ يسوغ وجوده لأن الوجود وحده دون مسوغ لا غناء فيه ولا كفاية.
وإذا كنا اليوم نحتفل بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، فإننا نحتفل بالمعاني الخوالد التي أتى بها لهذا العالم الذي أصبح اليوم في بعض جوانبه مماثلا لما كان عليه في عصر النبي، إذ أن العالم اليوم في حيرة وقلق وظمأ إلى عقيدة أو تصور جديد للكون وللإنسان يسوغ به وجوده ومكانته في هذا الكون الذي أضحى الإنسان فيه غريبا عن نفسه، تقدم في علمه، وتخلف في ضميره، حقق انتصارا عظيما في سيطرته على عالم الطبيعة الخارجية ولكنه لم يستطع أن ينتصر في مجال طبيعته الإنسانية ولا أن ينفذ إلى حقائقها وعجز على السيطرة عليها والتحكم فيها فكان ضحية نفسه وضحية علمه.
ورسالة المسلم اليوم تدعوه لأن يحقق المعاني الإسلامية التي تبرر وجود الإنسان وتهدي ضميره وتذهب بقلق عقله وحيرة نفسه ولكن لا يجوز للمسلم اليوم بحال أن يعتقد أن هذه الرسالة سهلة.. بل إنها شاقة وعسيرة فلا نزعم أنه قادر على أعباء هذه الرسالة ببساطة وعلى بيانها للناس!
إن لم يبدأ هو أولا بتحقيقها في نفسه كأقوى ما يكون التحقيق وأشد ما يكون التعميق وأصفى ما يكون الفهم، على أن يتخلص من التخلف وأن يخلق الشروط التي تؤهله للدعوة، وليتحمل الرسالة، لأن الظروف الحضارية في هذا العصر معقدة وصعبة، فلا بد من التخلص من التخلف الذي سطا على الأمة الإسلامية، وكان حجابا كثيفا بين الإسلام وبين الناس، وأصبح المسلمون بحالتهم هذه من التخلف فتنة للناس في العالم، إذ تصوروا الإسلام على صورة المسلمين، وألبسوه لباسهم فضلوا عن الحقيقة، وما كانوا مهتدين، إذ كاد أن يستوي المسلم وغير المسلم في الانفصال عن الحقيقة القرآنية التي ليلها كنهارها في نصاعتها وصفائها ووضوح منهجها.
إن الحضارة لا تقوم إلإ على أساس من نظرة كونية تتضمن دوافع تدفع للحركة، ونظرة أخلاقية متفائلة، والإسلام يمثل تصورا للكون يتضمن دوافع للحركة وبواعث للعمل التاريخين كما يتضمن التفاؤل الذي يتمثل في الأمل القوي في القدرة على تغيير المجتمع والعالم، فلم يكن التصور الإسلامي ينكر الحياة ولا العالم، ولم يكن متشائما ولم يدع إلى إماتة الجسم واحتقار المادة كما يوجد ذلك في بعض التصورات في كثير من الأمم.
والحقيقة القرآنية تؤمن بأن الأخلاق أسمى من الطبيعة ولهذا ترمي إلى السمو بالإنسان وبالعالم على مرتبة الكمال الحقيقي، فالأخلاقية الإسلامية بذل متواصل للجهد من أجل تغيير العالم، فهي أخلاقية فعالة وعلاقة المسلم بالحياة علاقة حية، وغاية الأخلاقية الإسلامية تكميل الذات وتكميل الغير بالإيثار، والتصور الإسلامي يؤكد الحياة ويدفع للنشاط الموجه إلى إصلاح أحوال المجتمع البشري، فهو نشاط موجه إلى الباطن وإلى الخارج أيضا.
ولذلك كانت عودة النبي صلى الله عليه وسلم من اعتكافه في غار حراء عودة مبدعة شق بها طريقه في موكب الزمان، لتغير معالم مجتمعه، ولتوجيه التاريخ، وإنشاء عالم من المثل الجديد، لأن الله أيقظ ما في أعماقه من قوة تهز الكون هزا، وتزلزل الأوضاع زلزالا، فتغير العالم الإنساني تغيرا تاما وحولته إلى قوة عالمية حية تحقق وجودها في عالم الإنسان وفي عالم التاريخ.
وإن في ختم النبوة نفسها في الإسلام لمعنى عظيما، فإن الله أراد أن يبين للإنسانية أنها بلغت مرحلة نضجها، فأعلن أن النبوة بلغت كمالها الأخير، ودعا الإنسان إلى أن يبني أموره على العقل، وأوضح له أن الأوان قد آن لختم النبوة نفسها، بعد أن كملت وبلغت غايتها.
ومعنى ذلك أنه نبه الإنسان إلى أنه ينبغي له أن يدرك إدراكا عميقا وجوده، وأنه أصبح من غير المجدي أن يبقى الوجود البشري غير رشيد إلى الأبد، معتمدا على مقود يقاد به، وأنه لكي يبلغ الإنسان كماله وكمال معرفته لنفسه لابد أن يترك ليستخدم وسائله الخاصة التي نضجت ومن ثم أبطل الإسلام الرهبنة والكهنوت ووراثة الملك ودعا إلى نزعة حرة في النقد والتمحيص وأنكر كل اتجاه أو زعم يزعم فيه صاحبها أن له سلطانا شخصيا خارقا للطبيعة لأن ذلك قد فات أوانه في تاريخ البشرية، فكان الإسلام ثورة عقلية، وثورة أخلاقية، أوكلت الإنسان إلى ضميره، إلى فطرته، إلى عقله، بعد أن بينت له الأصول الأساسية والمبادئ الكلية التي استكملتها الحقيقة القرآنية .
وبذلك كان معنى النبوة في الإسلام معنى واضحا ليس فيه من المزاعم ولا من السحر ولا من الكهنوت ولا من الظلام شيء.
فالنبي في الإسلام لا يعلم الغيب إلا ما علمه الله، وكان أقل كاهن في الأمم الأخرى يدعي لنفسه العلم بالغيوب.
قال الله تعالى: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}الأعراف188. وقال {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ}الأنعام50 ، وقال أيضا: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} الأنعام59.
إن المعجزة في نظر القرآن غير مجدية ولا مقنعة إن لم يقتنع العقل وأصر صاحبه على باطله، قال الله تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ، إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ}الحجر14-15وقال: {وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ }يونس20.
إن الدعوة الإسلامية توجهت لهداية الضمير البشري وخاطبت الإنسان في وعيه وإدراكه واستبعدت كل حيلة وكل ما كان يصنع للتأثير على الناس، فلا علاقة بين حوادث الفلك، وحادثة موت أحد، إنما الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تكسفان لموت أحد.. إن النبوة في الإسلام واضحة لا كهانة فيها ولا سحر ولا أخيلة شعرية قال الله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ، وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}الحاقة40-41-42.
ويكفي أن تكون الرسالة الإسلامية أعادت للإنسان كرامته ومكانته بعد أن تصوره الناس على أنه كائن حقير منغمس في الخطيئة، متلبس بالإثم، وارث له لا خلاص إلا بمحو ذاته، والقضاء على طبيعته وتعذيب نفسه، وأشعرت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، الإنسان بإنسانيته، وأضاءت في قلبه نورها الداعية إلى الحق، وإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد مات فإن رسالته الخالدة لم تمت ولن تموت لأنها تخاطب الإنسان بما هو إنسان وتعطيه باستمرار تصورا للكون متفائلا، فعالا مبدعا، وتشق له طريق تغير نفسه، وتغير من حوله من الأغيار والأشباه في العالم.
{أَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ.. }الرعد17