صديقي الأستاذ أبو القاسم سعد الله /أ.محمد بن عقيلة*

1- في تونس 1948-1954
فقد جمعتنا القدرة الإلهية أول ما جمعتنا بتونس الشقيقة حيث كنا طلبة في جامع الزيتونة، وأسكن أنا في باب السويقة، ويسكن الأخ سعد الله في حي باب منارة في مسجد القصر مع قريب له يدعى الحاج، وهو قيم في المسجد، ويقابل هذا المسجد وكالة للسكن، حيث يقيم فيها الطلبة الوافدون من زاوية تامقرة، وكنت أتردد على هؤلاء الطلبة، وفي الوقت نفسه أزور هذا المسجد.
وفي هذا المسجد تعرفت على الأخ الصديق أبي القاسم سعد الله 1948، والذي جذبني إليه وجذبه إلي حينما عرفني أنني من بني ورتلان، وأخذ يستفسر مني كثيرا وباهتمام عن الفضيل الورتلاني رحمه الله، وعن المنطقة كلها.
فتوطدت العلاقات الأخوية والروحية بينهما، وكلانا ينتمي إلى جمعية البعثة التابعة لجمعية العلماء، وجمعت بيننا كذلك الآلام التي كنا نعاني منها، والآمال التي نصبو إلى تحقيقها: الإسلام ديننا، العربية لغتنا، والجزائر وطننا.
وفي هذا المسجد قضى الأخ الكريم سبع سنوات، وهو يدرس في جامع الزيتونة، وهو المثل الرائع للاجتهاد والمثابرة على المراجعة والكتابة معا، وتخرجنا معا متحصلين على شهادة تدعى التحصيل في العلوم، أكتوبر سنة 1954.
وعين الأخ أبو القاسم سعد الله معلما في إحدى مدارس جمعية العلماء في العاصمة، والتحقت أنا بمدرسة دار الحديث بتلمسان. وهكذا مرت بنا هذه السنة الدراسية 54-1955 كمعلمين لجمعية العلماء.
2- في القاهرة 55-1960.
وفي شهر سبتمبر 1955 التحقت بالقاهرة عن طريق باريس، والثورة المباركة على أشدها، وانخرطت بعد الامتحان في عملية دار العلوم جامعة القاهرة، وبعد أيام قليلة التقيت من جديد بالأخ الصديق القديم والجديد سعد الله في رحاب دار العلوم، ويا لها من مفاجأة سارة! وقد قدم من تونس، وهكذا قضينا معا في كلية دار العلوم أربع سنوات، فحصلنا معا على شهادة ليسانس في اللغة العربية والدراسات الإسلامية شهر جويلية 1959.
وواصل الأخ سعد الله دراسة الماجستير في نفس الكلية، ودخلت أنا كلية التربية جامعة عين شمس.
ويقول الأستاذ الدكتور سعد الله في كتابه مسار قلم متحدثا عن أيام القاهرة: “ورغم الحرمان وشظف العيش، فإن سنوات القاهرة كانت من أغنى وأجمل العمر”، وقد سجل الأخ الدكتور في كتابه هذا “مسار قلم، ج1و2” علاقات الأخوية، والروحية، والثورية، جراه الله عنا خير الجزاء.
3- تغيير المسار
وفي عام 1960 وقع تغيير المسار بيننا، فقد توجه الأخ العصامي إلى أمريكا للدراسة بعد حصوله على المنحة، وعينت مشرفا في تونس على منح الطلبة مواصلة للعمل الذي كنت أقوم به في القاهرة.
4- بعد الاستقلال في الجزائر 1962
وأهم لقاء جمعنا في الجزائر المستقلة تلك الزيارة التاريخية التي تفضل بها مع حرمه، مشكورا، إلى منزلي في السحاولة يوم 27 نوفمبر 2009. فكان يوما لا ينسى، فهذا دليل الوفاء والإخلاص الذي يتصف بهما الدكتور أبو القاسم سعد الله.
وقدم لي بهذه المناسبة هدية “مسار قلم (يوميات)” الخاصة بتواجدنا في القاهرة: 56-1960، وسجل في أول صفحة من هذا المجلد بخطه ما يلي: “إلى أخي وصديقي القديم والجديد الأستاذ محمد بن عقيلة تذكار الفترة من الزمن الدراسي، نتمنى أن تعود ولا تعود، مع تحياتي أبو القاسم سعد الله، السحاولة في 27 نوفمبر 2009”.
5- الانتقال من دار العمل إلى دار البقاء والجزاء
ولا يسعني في هذه اللحظات الحرجة التي أسجل فيها هذه الذكريات، إلا أن أودعك بدموع الرحمة، راجيا لك الرحمة والغفران من الرحيم الرحمن، نم هنيئا فقد سجلت في سجل الخلود صدقة جارية، هي ما تركته من مؤلفات قيّمة، وأساتذة وذرية صالحة، وطلبة يعترفون لك جميعا بهذه الذخيرة العلمية والثقافية، وهذا الإرث العظيم الذي تركته لا يفنى، فهو شموع تستضيء بها الأجيال اللاحقة.
والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
تغمدك الله برحمته، وأسكنك فسيح جنانه، وألحقك بالذين قال الله فيهم: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.
وأخيرا وليس آخرا فإن لسان حالك يقول للجميع بفخر واعتزاز وإيمان صادق.
تلك آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار

*باحث جامعي

Exit mobile version