جهود المؤرخ سعد الله في التعريف بعلماء الجزائر/أ.د مسعود فلوسي*
تعددت مناحي البحث والتأليف عند عميد المؤرخين الجزائريين الدكتور أبي القاسم سعد الله رحمه الله بتعدد المجالات الفكرية والعلمية التي وجد نفسه مشاركا فيها، إما بحكم التخصص الأكاديمي أو بحكم الميول الأدبية والفكرية أو لضرورة الدفاع عن قضية معينة أو الكشف عن حقيقة مجهولة، فمن الشعر والأدب إلى تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، إلى تاريخ الجزائر الثقافي، إلى تراجم أعلام الجزائر، إلى إبداء الرأي في بعض القضايا العامة مما يتعلق بالوطن أو الأمة. ويهمنا في هذا المقال أن نركز على جانب واحد من الجوانب التي تبوأ فيها سعد الله مكانة الريادة والسبق، ألا وهو الترجمة لعلماء الجزائر قديما وحديثا وإبراز جهودهم والتعريف بآثارهم.
كتب مفردة لبعض علماء الجزائر
خص المؤرخ أبو القاسم سعد الله رحمه الله عددا من علماء الجزائر بمؤلفات مستقلة، أحاط في كل كتاب منها بالجوانب المختلفة لحياة المترجَم له، وعرف بتراثه الفكري وأبرز كل ما يتعلق به من قريب أو بعيد، وهذه الكتب هي:
1-شاعر الجزائر محمد العيد آل خليفة [312ص]: هو أول كتاب ألفه، حيث خصه لدراسة حياة وشعر محمد العيد آل خليفة [1904-1979م]، وتولى تقديمه الإمام العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وكان الشاعر محمد العيد حيا حين نشر هذا الكتاب. وقد فصل سعد الله القول في حياة محمد العيد وأبرز العوامل التي كونت شخصيته وأورد آراءه وتجاربه، كما تحدث بالتفصيل عن شعره من حيث تطوره وأغراضه ومنزلته.
2-القاضي الأديب الشاذلي القسنطيني [144ص]: يدرس هذا الكتاب سيرة الشيخ محمد الشاذلي القسنطيني [1807-1877م]، من خلال رسائله وشعره، وقد عالج فيه المؤلف عصر الرجل وحياته، ورحلاته إلى أوروبا، ومراسلاته وبعض مواقفه، وعلاقته بالأمير عبد القادر، وشعره وشاعريته.
3-رائد التجديد الإسلامي محمد بن العنابي [146ص]: تناول المؤلف فيه بالدراسة التحليلية المستقصية عصر وحياة وآثار الشيخ محمد بن محمود بن محمد بن حسين الجزائري الشهير بابن العنابي [ت: 1189هـ/ 1267م]، صاحب كتاب “السعي المحمود في نظام الجنود” وغيره من المؤلفات القيمة.
4-شيخ الإسلام عبد الكريم الفكون داعية السلفية [256ص]: درس المؤلف في هذا الكتاب عصر وحياة الشيخ عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن قاسم الفكون [1580-1663م]، وتأثيره المتمثل في تلاميذه ومراسلاته ومذهبه الصوفي وموقفه من البدع ومن قضايا عصره، كما عرف باستفاضة بتآليفه، وأورد نصوصا نثرية وشعرية كنماذج من آثاره. وقد تحدث المؤلف عن الفكون في مواضع عديدة من تاريخ الجزائر الثقافي. كما قام بتحقيق ونشر كتابه “منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية”.
5-كتاب عن الطبيب الرحالة عبد الرزاق بن حمادوش. كما كتب عنه بحثا آخر بعنوان “عبد الرزاق بن حمادوش ورحلته لسان المقال” [أبحاث وآراء 1/ 221-241]، وأيضا قام بتحقيق ونشر رحلته “لسان المقال”، وله بحث آخر عنه بعنوان “رسالة في الكرة الفلكية لابن حمادوش” [أبحاث وآراء 4/ 170-179].
6-باحث مغمور نور الدين عبدالقادر [100ص]؛ أفرد سعدالله هذا الكتاب لترجمة عالم ومثقف معاصر خدم العربية والتراث الإسلامي في الجزائر خلال مرحلة الاحتلال الفرنسي، وقضى حياته مدرسا ومترجما وكاتبا، إنه الأستاذ عبد القادر الحميدي أو نور الدين عبد القادر كما عرف بين المعاصرين، والذي عاش في الجزائر ما بين 1890 و1981م بعيدا عن الأضواء غير مشارك في الحياة العامة، حتى أنه لا يعرفه من الجزائريين إلا القليل. ولولا أن قيض الله الدكتور سعد الله للتعريف به لما ذكره أحد. وقد تناول المؤلف في هذا الكتاب بالدراسة المفصلة كل ما يتعلق بشخصية نور الدين: حياته وعائلته، دراسته وتدريسه، مؤلفاته، مساهمته في الإعلام.
بحوث ومقالات
إلى جانب هذه المؤلفات المفردة للتعريف ببعض علماء الجزائر، كتب الدكتور سعد الله بعض البحوث الموسعة التي شارك بها في بعض المؤتمرات أو نشرها في بعض المجلات، عن علماء جزائريين آخرين، ومن هؤلاء:
1- أبو راس الناصري: وهو محمد بن أحمد بن عبد القادر الجليلي المعسكري، وقد عرف به سعد الله في أكثر من موضع، حيث كتب عنه بحثا بعنوان “مؤرخ معاصر للجبرتي: أبو راس الناصري” [أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر 1/ 83-103]، وكتب عنه بحثا بعنوان “الحملة الفرنسية على مصر والشام في رأي المؤرخ أبي راس الناصري الجزائري” [أبحاث وآراء 2/ 299-308]، ومقالة أخرى بعنوان “كتاب فتح الإله لأبي راس الناصري” [أبحاث وآراء 2/ 337-340]، كما تحدث عنه باستفاضة في [تاريخ الجزائر الثقافي: 2/ 176-180، 376-381].
2-ـ الأمير عبد القادر: كتب عنه كثيرا، حيث ترجم كتاب تشرشل عنه، ثم كتب عنه مقالة بعنوان “ميزات بارزة من حياة الأمير عبد القادر” [أبحاث وآراء 1/ 128-133]، ومقالة أخرى بعنوان “السيرة الذاتية للأمير عبد القادر” [أبحاث وآراء 4/ 180-185].
3- مصطفى بن الكبابطي: له بحث عنه بعنوان “موقف المفتي الكبابطي من الأوقاف واللغة”، حيث عرف به أولا، ثم أبرز موقفه وآثار هذا الموقف على العلاقة الثقافية بين الجزائر وفرنسا [أبحاث وآراء 2/ 11-48].
4- المفتي أحمد ابن عمار: عرف به في بحث بعنوان “تقريظ للمفتي أحمد ابن عمار ظروفه ونصه” [أبحاث وآراء 5/ 201-216]، وفي بحث آخر “إجازة ابن عمار الجزائري إلى محمد خليل المرادي الشامي” [تجارب في الأدب والرحلة: 35-70]، كما درس جوانب من حياته وآثاره في تاريخ الجزائر الثقافي [ج2]، وفي كتاب [مختارات مجهولة من الشعر العربي].
5- أبو حامد العربي المشرفي: وقد تحدث عنه في بحث بعنوان “مؤلفات المشرفي المعسكري” [أبحاث وآراء 2/ 175-191].
6- أبو يعلى الزواوي: وقد عرف به في مرات عديدة، منها بحث بعنوان “مشروع كتاب تاريخ زواوة لأبي يعلى الزواوي” [أبحاث وآراء 2/ 145-167].
7-ـ محمد بن أبي شنب: كتب عنه مقالتين الأولى بعنوان “حياة وتراث محمد بن أبي شنب” والثانية بعنوان “حول ابن شنب” [أبحاث وآراء 4/ 156-162]. وهناك مقالة ثالثة بعنوان “من رسائل محمد بن أبي شنب إلى محمد كرد علي” [تجارب في الأدب والرحلة: 75-88].
8-ـ محمد البشير الإبراهيمي: خصه بأكثر من دراسة وبحث، وفي أكثر من مناسبة، ومما كتبه عنه: الشيخ البشير الإبراهيمي في تلمسان من خلال الوثائق الإدارية [أبحاث وآراء 3/ 49-85]، الشيخ البشير الإبراهيمي والثورة [أبحاث وآراء 5/ 274-288]، الثقافة التاريخية عند البشير الإبراهيمي [مجادلة الآخر: 115-127]، ذكريات أدبية عن الشيخ محمد البشير الإبراهيمي [حاطب أوراق: 83-90]، عالمان مغاربيان في شبه القارة الهندية الثعالبي والإبراهيمي [بحوث في التاريخ العربي الإسلامي: 171-199].
9- محمد الطاهر التليلي: تحدث عنه هو الآخر في مناسبات متعددة، وكتب عنه أكثر من بحث ومقالة، ومنها: شيخ علم ودين [أفكار جامحة: 199-207]، فقيد العلم الشيخ التليلي [خارج السرب: 155-163]، ندوة الشيخ التليلي [مجادلة الآخر: 204-209]، حياة الشيخ التليلي [مجادلة: 296-299]، الجهود اللغوية للشيخ التليلي [خارج السرب: 258-271]. كما حقق كتابه “إتحاف القارئ بحياة الشيخ خليفة بن حسن القماري”.
إضافة إلى بحوث أخرى عن عدد من علماء الجزائر، ومن عناوينها: الأديب المصلح محمد المولود الزريبي [خارج السرب: 170-186]. أبو القاسم بن سديرة حياته ومؤلفاته [خارج السرب: 195-207]. عمر راسم ونخبة عصره [حصاد الخريف: 233-239]. مجاهد من نوع آخر: الشيخ الياجوري [خارج السرب: 113-136]. أحمد رضا حوحو في الحجاز [مجادلة الآخر: 151-165]. مفدي زكريا والتيارات الوطنية [مجادلة الآخر: 166-186]. أحمد معاش حياته وآثاره [حصاد الخريف: 240-252]. الشيخ محمد بن يوسف أطفيش: عرف به في بحث بعنوان: بين القطبين أطفيش والسالمي [بحوث في التاريخ العربي الإسلامي: 387-397]. أبو إسحاق إبراهيم أطفيش: عرف به ضمن بحث بعنوان: قراءة في كتاب “الدعاية إلى سبيل المؤمنين” لإبراهيم أطفيش [بحوث في التاريخ العربي الإسلامي: 159-170].
شهادات
كما نشر الدكتور سعد الله مقالات صحفية ضمنها تراجم وشهادات في حق بعض العلماء والباحثين، ممن عرفهم عن قرب وكتب عنهم في مناسبات تكريمهم أو إثر وفاتهم، أو في إطار التقديم لمؤلفات كتبت عنهم، ثم أدرج هذه المقالات في بعض كتبه، ومن عناوين هذه المقالات: الشيخ العربي التبسي [حاطب أوراق: 11-15]. الشيخ أحمد توفيق المدني [حاطب: 26-34]. الشيخ الطيب العقبي والحركة الوطنية [حاطب: 127-131]، فيلسوف الحضارة مالك بن نبي [حاطب: 155-157]، أبو العيد دودو آخر العهد [مجادلة الآخر: 134-150]. سي مولود (قاسم) ظاهرة فذة [خارج السرب: 137-154]. ذكريات عن الشاعر صالح الخرفي [خارج السرب: 187-194]. شهادة عن بوزيان التلمساني [حصاد الخريف: 253-255]. تكريم الباحث محمد ناصر [حصاد الخريف: 256-258]. تكريم الشيخ إبراهيم مزهودي [حصاد الخريف: 259-262]. من أخبار الشيخ عمر دردور [حصاد الخريف: 263-266]. غياب الشاذلي زوكار [حصاد الخريف: 267-272]. تكريم الأستاذ شريط [خارج السرب: 106-107]، شهادة في الدكتور عبد الله شريط [حبر على ورق: 65-70]. يحيى بوعزيز [حاطب أوراق: 231-234]. من الكرام علي السحنوني [خارج السرب: 164-169]. إسهام الحكيم بلعربي في الطب والسياسة [حبر على ورق: 107-109]. عائشة غطاس فقيدة البحث العلمي [الخبر: 19-5-2011]. الصديق الدكتور عبد الله ركيبي [الشروق اليومي: 6-6-2011].
تراجم “تاريخ الجزائر الثقافي”
وفي إطار تتبع التاريخ الثقافي للجزائر في مرحلتي العهد العثماني والاحتلال الفرنسي؛ ضمن الدكتور سعد الله موسوعته المتميزة “تاريخ الجزائر الثقافي” تراجم، بعضها موجز وبعضها مفصل، وبعضها مجرد إشارات، لعدد من علماء الجزائر الذين كانت لهم إسهامات في مختلف العلوم.
منهجه في الترجمة
للمؤرخ أبو القاسم سعد الله رحمه الله منهجه الخاص في الترجمة للعلم الذي يكتب عنه، فهو يهتم باستقصاء كل ما يمكنه الوصول إليه من معلومات متعلقة بالحياة الشخصية للمترجَم له، لكنه لا يتوقف عند ذلك، بل يتناول بالعرض والتحليل جوانب شخصيته وعوامل تكوينها وما كان له من مواقف وكيف تفاعل مع ظروف عصره وما تركه من أثر.
وإذا كان المترجَم له ممن عرفه شخصيا، فإنه يركز على هذا الجانب؛ حيث يذكر متى تعرف عليه ومواقفه التي شهدها والعلاقة التي ربطته به وما تميز به من خصال ومناقب.
وهو في كل ذلك لا يمدح إلا من يستحق المدح، كما أنه لا يتردد في الكشف عن الجوانب السلبية في الشخصية التي يتناولها بالترجمة والتعريف، منطلقا في كل ذلك من قناعاته الفكرية.
وقد استطاع سعد الله أن يزيح غبار الطمس والنسيان عن كثير من العلماء الجزائريين المجهولين حتى عند أبناء الجزائر أنفسهم، وأن يظهر إسهاماتهم في العلوم المختلفة الدينية والدنيوية، وأن يبرز تأثيرهم في بلادهم والبلدان التي هاجروا إليها أو انتقلت إليها مؤلفاتهم.
إن هذا الجانب المهم في السيرة العلمية للمؤرخ الدكتور أبو القاسم سعد الله، ألا وهو التعريف بعلماء الجزائر، لجدير بالدراسة والإبراز، ولا يمكننا أن نحيط به في مجال محدود كهذا، ولذلك نرجو أن يتولى بعض باحثينا دراسته في رسالة علمية لنيل درجة الدكتوراه، على أن يتولى باحثون آخرون إبراز الجوانب الأخرى من الشخصية العلمية لفقيد الجزائر الراحل رحمه الله.
*أستاذ العلوم الإسلامية جامعة باتنة