
وكان الهدف من وراء تأليف (الظاهرة القرآنية) هو إحداث ثورة منهجية في مجال التفسير، وتزويد المثقف المسلم المحتك بالثقافة الغربية الحديثة، بأسس راسخة تسمح له بتأمل ناضج وواع للدين الإسلامي، يقول بن نبي في المدخل لدراسة الظاهرة القرآنية (ولذا حاولنا أن نجمع العناصر التي بقيت من الأصل مكتوبة في قصاصات أو مسجلة في الذاكرة فأنقذنا بذلك –على ما نعتقد جوهر الموضوع– وهو الاهتمام بتحقيق منهج تحليلي في دراسة الظاهرة القرآنية وهو منهج يحقق من الناحية العملية هدفا مزدوجا هو:
1-أنه يتيح للشباب المسلم فرصة التأمل الناضج في الدين.
2-أنه يقترح إصلاحا مناسبا للمنهج القديم في تفسير القرآن الكريم.
الدوافع لذلك: وحسب مالك بن نبي فإن هناك جملة أسباب تدعو إلى اقتراح هذا المنهج التحليلي، بعضها يتّصل بالتطور الثقافي الذي حدث في العالم الإسلامي بصورة عامة، وبعضها يرجع إلى عنصر آخر يمكن أن نسميه “تطور نظرتنا في مشكلة الإعجاز” بصورة خاصة.
ففيما يخص الجانب الأول لاحظ مالك بن نبي تغلغل الثقافة الغربية في كل شيء حتى فيما يتصل بالحياة الروحية، إذ أصبح الشباب المسلم المثقف في ديار الإسلام أو ديار الغرب متأثرا بالنزعة الديكارتية ومعجبا بها إلى حدّ كبير وأصبحت الأفكار الصادرة من جامعات الغرب في نظر قادة الثقافة الغربية هي “المقياس الثابت” على الأشياء، ومثال ذلك فرض مرجليوث عن “الشعر الجاهلي” وكيف أصبح حقيقة لا مجال للشك فيها عند الدكتور “طه حسين” الأمر الذي يزلزل أو ينسف منهج التفسير القديم، ذلك المنهج القائم على المقارنة الأسلوبية معتمدا على الشعر الجاهلي كحقيقة لا تقبل الجدل.
علاوة على أن الطائفة الديكارتية ترى في هذا المنهج منهجا ذاتيا فقد موضوعيته، ثم إن الضعف اللغوي الذي عمّ جعل من المتعذر إن لم نقل من المستحيل أن نستنبط من مقارنة أدبية بين آية قرآنية وفقرة أدبية موزونة أو مقفاة نتيجة عادلة أو حكيمة ندرك على إثرها الإعجاز البياني، مما يزيد في بعده عن الموضوعية.
بين الإعجاز العلمي والتفسير: إن كلمة السر، أو الكلمة المفتاح، هي هذه الجملة التي ترددت كثيرا في كتاب الظاهرة القرآنية (منهج التفسير القديم، ذلك التفسير القائم على المقارنة الأسلوبية، معتمدا على الشعر الجاهلي كحقيقة لا تقبل الجدل، وعلى أية حال، فقد كان من الممكن أن تثور هذه المشكلة تبعا للتطور الجديد في الفكر الإسلامي، وإنما بصورة أقل ثورية، فمنهج التفسير القديم يجب أن يتعدّل في حكمة ورويّة، لكي يتفق مع مقتضيات الفكر الحديث).
ويقول مالك –كذلك– “لقد قام إعجاز القرآن حتى الآن على البرهان الظاهر على سمو كلام الله فوق البشر، وكان لجوء التفسير إلى الدراسة الأسلوبية لكي يضع الإعجاز القرآن أساسا عقليا، فلو أننا طبقنا نتائج فرض مرجليوث، لأنهار ذلك الأساس، ومن هنا توضع مشكلة التفسير على أساس هام بالنسبة لعقيدة المسلم، أعني برهان إعجاز القرآن في نظره“.
فماذا يريد أن يناقش مالك بن نبي؟ وما هو الموضوع؟
يتبع