في ذكرى مالك بن نبي في الثقافة الجزائرية/أ.عبدالقادر قلاتي
منذ سنوات قليلة احتفلت دار الفكر في دمشق بالذكرى المئوية لميلاد الفيلسوف الكبير مالك بن نبي، وأقامت بذلك احتفالاً حضره بعض المهتمين بفكر ابن نبي، يتقدمهم المفكر الإسلامي الكبير جودت سعيد، الذي يعتبر من القلة القليلة التي اهتمت بفكر مالك بن نبي، وسوقته ودافعت عنه، واتصل بي يومها الأستاذ صهيب الشريف وهو جند من جنود الخفاء في هذه الدار العريقة، ليخبرني عن موعد الاحتفال، وقمت بدوري بالاتصال ببعض الجزائريين المهتمين بمالك بن نبي، وتطوع أحدنا واتصل بالملحق الثقافي في سفارتنا بدمشق، ليحضر معنا، وحضر الرجل الذي كان يجهل تماماً مالك بن نبي وفكره، وفهمنا منه أنه يسمع بمالك بن نبي، لكنه لم يكن يعلم أنه مفكر كبير، إلى هذه الدرجة التي تجعل دار نشر سورية تقوم بالاحتفال به، ولا أعرف يومها إن كانت هناك مؤسسة جزائرية احتفلت بمئويته في الجزائر -كما فعلت دار الفكر في دمشق- أم لا؟.
واليوم ونحن نعيش الذكرى الأربعين لوفاته، نسأل أين فكر مالك بن نبي في الثقافة الجزائرية؟ أين نصوص ابن نبي التي تدرس لأبنائنا في المدارس والثانويات والجامعات؟ أين فكر ابن نبي في مؤسساتنا الثقافية؟ كيف تنظر دول أخرى في العالم العربي والإسلامي إلى هذا الرمز الثقافي والفكري، نظرة تقدير واحترام وإجلال، وتقيم الندوات والمؤتمرات لمناقشة أرائه ومشروعه الفكري في حين يجهل مسؤول جزائري أسندت له مهمة ثقافية هذا الرمز؟.
منذ سنوات اعترف رئيس وزراء ماليزيا السابق محمد محاضير، بأن ملهمه الأول في مشرع بناء دولة ماليزيا، هو فيلسوف الحضارة مالك بن نبي، وكذا الأمر في تركيا بقيادة حزب العادلة والتنمية الذي استفاد كثيراً –بحسن منظّريه – من مشروع مالك بن نبي الفكري، بينما تغيب تماماً أفكار هذا العملاق عن دوائر السلطة السياسية في بلادنا، وأكثر من ذلك غياب أفكاره حتى عن حياتنا الثقافية، هل يعرف الجيل الجديد في الجزائر الأستاذ مالك، أنا متأكد من أننا لو طرحنا سؤالاً بين طلاب الجامعات لمعرفة عدد الذين يعرفون مالك بن نبي والذين يعرفون الشاب خالد، والشاب مامي والشباب فلان واللاعب الفلاني في الجزائر أو في غيرها، لوجدنا أن الذين يعرفون مالك بن نبي قلة قليلة أمام أولئك الذين يشكل لهم الشاب خالد وغيره من الفنانين واللاعبين واللاهين قيمة ورمزية ما، أليس هذا عار علينا وعلى بلادنا وعلى ثقافتنا وتاريخنا، كيف يشكل فنان لا يحسن من دنياه إلا العبث واللهو، رمزية في وعي أبنائنا، بينما لا يشكل في وعي هذا الجيل رجل كمالك بن نبي أو عبد الحميد بن باديس أو محمد البشير الإبراهيمي، أو الفضيل الورتلاني، أي رمزية أو مكانة؟ هل فقدنا وعينا بتاريخنا وأمتنا وديننا لهذه الدرجة؟ أين مسؤولية الدولة الجزائرية على هذا التشوه المفرط في وعي أبنائنا؟ أين مسؤولية النخبة المثقفة في توعية وتبصيبر هذا الجيل بقيمة تراثه ورموزه؟.أين أبناء الحركة الإسلامية -التي تدين بالشيء الكثير لهذا الرمز الفكري الكبير- من فكره ومشروعه الفكري؟ أليس مالك بن نبي هو من كان يقف وراء عملية بناء الحركة الإسلامية بعد الاستقلال والدفع بها نحو المشاركة في بناء المجتمع والدولة؟.
ألا يذكر أبناء الحركة الإسلامية دور مالك بن نبي، في تكوين الجيل الأول الذي قاد الحركة الإسلامية بعد الاستقلال، في الجامعات والمساجد والملتقيات الفكرية، مسجد الجامعة المركزية ودوره في تكوين شباب الجامعات وتوعيتهم بدورهم ورسالتهم، ملتقى الفكر الإسلامي، الذي تبنته الدولة الجزائرية، وقد كان الأستاذ مالك أول من دعا إليه، ثم كتبه التي سعى إلى ترجمتها إلى اللغة العربية، وما تركته في أبناء الحركة الإسلامية من وعي وفهم للعصر وثقافته.
قد تكون الحركة الإسلامية في الجزائر تعي هذه الحقيقة تماماً، ولكن ماذا قدمت هي كحركة فاعلة في المجتمع الجزائري لهذا المفكر الكبير ولفكره المتقدم؟ إنني كواحد من أبناء الحركة الإسلامية أقول أن علاقة مالك بن نبي مع الحركة الإسلامية ومع الثقافة الجزائرية بوجه عام، لا تخرج عن منطق التبجيل والافتخار، ولا تغادر هذه اللغة بوجه من الوجوه، بينما يتطلب فكر ابن نبي التعامل الفعّال مع مفاهيمه، والعمل على توظيفها في سلوكيات الحركة الإسلامية بكل أطيافها، ليست أفكار ابن نبي مسائل رياضية، تحتاج إلى حلول، بل أفكار ناجزة تحتاج إلى تطبيق، وهذا ما عجزت الحركة الإسلامية في الجزائر على فهمه ومن ثم على تطبيقه والله المستعان.