شبهات حول الإسلام يجب تصحيحها /الدكتور عبد الرزاق قسوم
انتظم تحت قبّة مقر المنظمة الإسلامية للعلوم، والثقافة والتربية “اسسكو” بالرباط يومي الخميس والجمعة 19- 20 من شهر ذي الحجة 1434هـ الموافق لـ 24 – 25 أكتوبر 2013م، انتظم اجتماع خبراء حول القضايا السكانية في أفق المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المزمع عقده بالقاهرة خلال عام 2014م، وذلك من أجل تحديد رؤية إسلامية موّحدة.
وقد عكف الخبراء الذين بلغ عددهم خمسة عشر خبيرًا، يمثلون معظم جهات الوطن العربي؛ عكفوا خلال يومين على دراسة أهّم التحديات التي يواجهها المسلمون في ضوء ما أقدمت عليه المؤتمرات السابقة، خصوصًا مؤتمري بكين والقاهرة، من إثارة للشبهات حول المبادئ الإسلامية، لا سيما منها ما يتعلق ببناء المجتمع الإنساني ذي الخصوصية الإسلامية.
وقد توّزعت الورقات المقدمة من الخبراء على أهم القضايا التي تُطرح على الرأي الإسلامي، كقضايا الأسرة، والمرأة، والطفولة، والشيخوخة، والشباب، والإجهاض، وما ينتج عن ذلك من قضايا حيوية، كتنظيم النسل، والعنف ضد المرأة، والحرية الجنسية، والزواج المثلي، والطلاق، وما إلى ذلك.
أدرك الخبراء المجتمعون، بوعي كبير ضرورة تجديد الخطاب العربي الإسلامي في المحافل الدولية، وتجاوز التباكي على واقع الأنا المسلم وشيطنة الآخر، وبجريمة وسجن هذا الخطاب داخل الماضي الوردي للمسلمين إلى تقديم خطاب يعتمد الحوار القائم على المجادلة بالعقل والإقناع بالحجة الإنسانية والتأكيد على الخصوصية الثقافية، والتنوّع الحضاري بوصفهما مقومين أساسيين لبناء الوحدة الإنسانية الشاملة.
لقد تميّز الملتقى بمنهجية عالية في التشخيص وأسلوب واقعي في الطرح، فبالرغم من أنّ الاجتماع ضمّ خبراء وخبيرات، فإنّ المحاضرين والمحاضرات تغلبوا على كلّ أنواع الطابوهات السائدة في المجتمع الإسلامي والعولمي لوضع الشبهات والتحديات على طاولة المشرحة العلمية والعقلية، وتقديم البدائل المستوحاة من الفهم الصحيح للنص الإسلامي، والتأويل الصريح بالعقل الإنساني.
ففي الورقة المقدمة على سبيل المثال من كاتب هذا المقال، والتي جمعت بين مقاصد التنزيل في قضايا الأسرة، والتميّز الحضاري كمقوّم من مقوّمات الوحدة الإنسانية تمّ الربط بين الموضوعين بخيط منهجي دقيق وعميق، اعتبر الجامع المشرف الأعظم لبناء الأسرة الإنسانية من المنظور الإسلامي على أساس التمايز (ذكر وأنثى)، والتكامل بين الجنسين “هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ” والطمأنينة النفسية للزوجين “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا” والحب المتبادل “وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً”.
إنّ من معاداة العقل الإنساني السليم محاولة إلزام جميع الناس بقناعة واحدة هي قناعة القوى، والتضحية مقابل ذلك بكل الخصوصيات. ذلك أنّ محاولة حمل الناس على رؤية حضارية أحادية دون سواها، هو عدوان على العقل الإنساني الحالي، واختزال للقدرات الفكرية الكامنة داخل هذا الإنسان.
في ضوء هذه المعطيات كلّها، عمد الخبراء إلى صياغة خطاب إسلامي، يرتقي بالقضايا المطروحة من منهجية الدفاع إلى أسلوب الإقناع، فمن الشبهات التي تثار حول الإسلام هو حق المرأة في المساواة، وحقها في الحرية، وحقها في تولي المناصب السياسية… وقد أكدّت خبيرة مغربية على أنّ قانون المرأة في مؤتمر السكان، سواء في بكين أو القاهرة قد انتقل من التأسيس إلى التمكين ثم إلى آلية التنفيذ بتخصيص 30 % من المناصب للمرأة، وهو ما أدى إلى ما يعرف بآلية المحاصصة وآلية المناصفة.
ولا يجد المسلم عناء في دحض مثل هذه الطروحات، انطلاقا من القانون الإسلامي الثابت المدعم بالآيات والأحاديث “مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً” و”إنّما النساء شقائق الرجال”… الخ.
وبخصوص حق المرأة في الإجهاض، وهي الشبهة الخطيرة التي تثار ضد الإسلام الذي في زعمهم يحرّم الإجهاض فإنّ الحقيقة هي أنّ الإسلام في تنظيم عملية الإجهاض يتسم بالواقعية الإنسانية التي يلتقي فيها مع كلّ العقلاء سواء داخل الديانات أو خارجها.
فالإجهاض في المفهوم الإسلامي كما قدمه عميد كلية الشريعة بالجامعة الأردنية يمكن تقسيمه إلى إجهاض ضروري، وإلى إجهاض اختياري، وكل نوع من الإجهاض محكوم بقيم إنسانية من مقاصدها الحفاظ ما أمكن على حق الأم في الحياة، وحق الجنين في الحياة.
وفي مجال العنف ضدّ المرأة، تناولت إحدى الخبيرات مجموعة من الشبهات كشبهة الجنس الآمن، والمساواة في الإرث، والعنف الإعلامي الذي يستغل أنوثة المرأة ومفاتنها ليجعلها أداة متعة في خدمة القوّة الذكورية اقتصاديًا وسياسيًا.
ومن الشبهات المثارة أيضا حول الإسلام ما وصفه أحد الخبراء بالثنائية المزيفة، دالفا بذلك إلى المؤسسات الطبيعية والمؤسسات المصطنعة، مؤكدا على أنّ الأسرة في الثقافة الإسلامية هي المؤسَّسة المؤسِّسة لأنّها تغرس القيم داخل المجتمع.
وإنّ من بين القيم التي يحرص الإسلام على إنباتها داخل المجتمع الإسلامي قيمة العدل، التي هي قيمة اجتماعية في مقابل الحرية التي يتبحبح بها دعاة العولمة، وهي قيمة فردية. فالإسلام يؤكد على العدل في أكثر من آية منها قوله تعالى “وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى”.
إنّ كلّ هذه الشبهات المثارة من دعاة العولمة حول الإسلام التي يجب درؤها، وتقع مسؤولية ذلك على المشاركين في مؤتمر القاهرة المزمع عقده عام 2014م، سواء من الحكام أو من فئات المجتمع المدني المسلمة.
ومن هنا كانت حتمية وضع بدائل عن تلك الشبهات، وتقديم خطاب إسلامي موّحد، يعكس إنسانية الإسلام وواقعيته، وعقلانيته للمساهمة حضاريا في بناء مجتمع إنساني أفضل يحمي المرأة والطفل، والشيخ، والمعاق، وكلّ ذوي الحاجات انطلاقا من الفهم الصحيح للنصوص الإسلامية والتطبيق السليم للقوانين الإنسانية.