هل نسينا المسجد الأقصى؟/الدكتور عمار طالبي
يبدو أنّ العالم الإسلامي لم يعد يشعر بالخطر الذي يهدد المسجد الأقصى في وجوده، كأنّ قداسته وعظمته اختفت من النفوس، وضؤُلت، وهذا أدى بالصهاينة إلى الإقدام على العدوان عليه، ونداء الكنيست بتقسيمه، كما فعلوا بالحرم الإبراهيمي من قبل، وأصبح المتطرفون الصهاينة اليهود يهاجمونه جهارًا نهارًا ولا يخشون أحدًا لأنّ جنودهم يحمونهم من دفاع المصلين المقدسيين الذين هبّوا لحماية المسجد الأقصى من عدوانهم، ويرمونهم بوابل من الغاز المسيل للدموع، يختنقون به داخله، وهذا الذي يباركه الكيان الصهيوني ويدعو إليه زاعما أنّه كيان ديمقراطي وهو يمنع المسلمين من أداء شعائرهم الدينية في مسجدهم، وهذا لم يفعله غلاة الاستعماريين لمّا احتلوا هذه البلاد وحكموها بالحديد والنار.
لماذا يتنادى المسلمون لما حلّ بسوريا ومصر والعراق وغيرها، ويتباكون ويغضون الطرف بل يتناسون المسجد الأقصى كأنهم ألفوا العدوان عليه واستكانوا إليه؟.
ومن يهن يسهل الهوان عليه
فما لجرح بميت إيلام
إنّ مساكن المقدسيين مهددة بالفناء، وسكانها مهددون بالإقصاء والإبعاد، ونزع مقدسيتهم بكل سبيل، الضرائب الباهضة، والعدوان المستمر على كرامتهم، ومنعهم من ترميم منازلهم وبناء مساكن جديدة، لتقليص وجودهم، وتشتيتهم.
لا نريد أن نطيل في وصف ما يحدث فهو واضح للعيان، ولكن الذي نستنتجه من هذا كلّه، ضعف المسلمين وهوانهم على الناس في هذا العالم، وهم الذين اختاروا هذا الهوان واستكانوا إليه وألفوه، وهذا الذي يأمله الصهاينة ويعملون من أجله سرًا وعلانية بفاعلية سياسية وقوة عسكرية ودبلوماسية نشيطة في حين لا فاعلية سياسية في العالم الإسلامي مع إمكاناته البشرية والاقتصادية التي تتبدد وتنتقل بسهولة كاملة إلى الآخرين، فلماذا لا توجد استراتيجية واضحة للعمل وتحقيق حرية هذا الوطن الذي تآمر من تآمر عليه وما يزال التآمر يتخذ مجراه ويحقق مكاسبه في الواقع، ونحن نتغنى بالخطب والكلام الذي لا أثر له، أو نسكت والسكوت علامة الرضا.
فلو أنّ العالم الإسلامي خصص جزءا بسيطا من ثروته، وأداره بكفاءة وبإخلاص في مكانه الذي ينبغي له، وبالطريقة المثلى علميا، لكان ذلك من أحسن السبل لتحرير القدس، وكافة أراضي فلسطين، ولحوصر هذا الكيان حصارًا شديدًا لا يجد منفذا للعدوان على أمة عالمية بكاملها، كما هو واقعنا اليوم، نتخاصم ونتقاتل، وندعو المجتمع الدولي ليحكم بيننا بحكمه وإرادته، فيخضع المستبدون لحكمه، لا لإرادة الشعوب التي تنزع إلى الحرية، وقلع جذور الاستبداد، وها نحن نرى اليوم شباب مصر يدعو للحرية بقوة وشجاعة وصبر، وإرادة. إنّ هذا الشباب وأمثاله هو أملنا في تجديد أنفسنا وإنّ وسائل الاتصال اليوم ووعي هذا الشباب، هو الذي ينهض بالأمة، ويدفع عنها التخلف والطغيان والذل، والخضوع لإرادة الأجنبي ومطامعه.
إنّ المجتمع العراقي أصبح يفني بعضه بعضا ويدمره تدميرا لما شاع فيه من الطائفية المذهبية المجنونة، والتفجيرات العمياء لقتل الأبرياء بعشوائية لا تبقي ولا تذر، وبدعوات لإحياء معارك تاريخية ذهبت بخيرها وشرّها، فلا يحمل جيلنا وزر جيل آخر، أصبح خبرًا بعد عين، تناسى الناس غربا وشرقا معاركهم القديمة الدينية منها والسياسية وخاصة وقائع حروب القرن السادس عشر بين البروتستانت والكاثوليك، ولكننا نحن مصرون إصرارًا عجيبا على إيقاد نيران انطفأت رمادًا وإحيائها في النفوس وشحنها بطريقة عمياء في القلوب، إنّ هذا لمنكر، وداء عضال ينبغي دفعه والخلاص منه، ومن عواقبه القاتلة للأمة ومكانتها في العالم.
فيا حسرتا إلى متى نرسّخ الانقسام إلى طوائف ومذاهب وطرائق قددا؟.