مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

المدرسة الجزائرية: من الإصلاح إلى إصلاح الإصلاح/ الدكتور عبد الرزاق قسوم

G-431-150x150-150x1501-150x15022بعد الحصاد العذب والمر لإنتاج الحقول والعقول، وبعد جفاف عرق الامتحانات ودموع النتائج، من الجباه والعيون، وبعد توقف الجرارات، واستراحة البنين والبنات، ها هي أجراس المدارس تتعالى، مؤذنة بالدخول المدرسي، وسط مجموعة من التحديات والعقبات يعود أبناؤنا، وفلذات أكبادنا إلى صفوف الدراسة، وعلامات استفهام كبرى، وعلامات تعجب أكبر ترتسم أمام أعيننا، في هذا الجو المثقل بالمعاناة على أكثر من صعيد، فما ينتظر أبناءنا، في تمدرسهم، من مشاق تبدأ، بثقل المحفظة، وتنتهي باكتظاظ الأقسام، مرورا، بالعنف السائد في مدارسنا، والآفات الخطيرة الملوثة لمحيطنا، والتسيب البيداغوجي المستبد بمنظومتنا ..إلخ، وكل ذلك يتم وسط تبشير بالإصلاح، وإصرار على التبجح بالنجاح.

لقد قسا الكثير من الدارسين على منهاجنا التربوي، فوصفوه بأبشع النعوت من ذلك وصف منظومتنا التربوية بالمظلومة التربوية، والمنكوبة المدرسية، وغيرها من النعوت الجارحة لنفسياتنا، والمثبطة لعزائمنا، والمبرزة لفشل إصلاحنا.

أدرك القائمون على الشأن المدرسي عندنا –إذن- الطريق المسدود الذي آل إليه إصلاحنا، فتنادوا مجمعين على ضرورة إصلاح للإصلاح، وكانت الخطوات المتبعة من مختلف المسؤولين.

جميل جدا، أن يستيقظ القائمون على المدرسة الجزائرية، من غفوة التخدير الممنهج، الذي استمر سنوات كثيرة، فأصاب المنابع المدرسية في مقاتلها، إذ فوض وحدات المناهج، وأعاق تكوين المكونين، وشوه مفهوم التمدرس، مما جعل الإدارة المدرسية تهتز أركانها، وتفقد مصداقيتها.

ولقد تفاءلنا –يشهد الله- بتكافل أعلى سلطة في حكومتنا الموقرة ممثلة في وزيرها الأول، حيث خصص للدخول المدرسي، ندوة شملت إطارات التربية على أعلى مستوياتها، وألقى خطابا بالمناسبة، يفترض أن يتضمن التشخيص العميق، ويقدم الدواء الدقيق، وإذا صح ما نسبته الصحافة الوطنية من أحكام صدرت عن الوزير الأول، فإن خللا ما يكون قد أحاط بالتصور الحكومي الشمولي للإصلاح والنهوض بالمدرسة الجزائرية من كبوتها، فقد نسب إليه، أنه دعا إلى تجاوز اللغة الوطنية، التي انتهينا من قضيتها على حد قول معالي السيد رئيس الحكومة، فإذا علمنا أن خرّيج المدرسة الجزائرية اليوم، صار عاجزا عن تكوين جملة مفيدة، واحدة صحيحة باللغة العربية، أدركنا معنى الانتهاء من قضية اللغة العربية، فكيف والحالة هذه، تدعو إلى تشجيع اللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية، واللغة الصينية، وفاقد الشيء، لا يعطيه، فالذي يعجز عن التحكم في لغته، لا يقدر على التحكم في لغات غيره.

ونضيف إلى هذا أن بلدانا متقدمة، تقدمت اليوم، بلغاتها لا بلغات غيرها، مثل الكيان الصهيوني في فلسطين الذي نهض بعبريته، وكوريا الجنوبية أو الشمالية التي نهضت بلغتها الكورية، واليابان الذي نهض بلغته اليابانية، وغير ذلك من الشعوب الناهضة اليوم.

إن الحقيقة التي لا مراء فيها، يا معالي الوزير الأول: هي أن أي بلد، يعادي ثقافته سيجانب عملية النهوض والتقدم، وهذا هو حال بلادنا الجزائر بلد المليون شهيد.

كما نسب إلى السيد رئيس الحكومة الجزائرية أيضا، دعوته إلى التمسك بالعلوم الطبيعية، والفيزيائية والرياضية، على حساب الثقافة الأدبية العربية، ممثلة في لغة الجاحظ، والثقافة الدينية الإسلامية ممثلة في المعوذتين.

كبرت كلمة تخرج من أفواه مسؤولينا، فلئن صح هذا الذي نسب قوله إلى السيد رئيس الحكومة، فإن ذلك يعتبر زلة مسؤول ننزه مثله أن يقع فيها. إن مما لا مراء فيه، أن التاريخ، واللغة، والدين هي المحصنات الحقيقية للمواطن، فإذا تخلى أي مواطن عن هذه المحصنات فذلك إنذار بخراب الديار، وهشاشة الأمصار، ولعنة الكبار والصغار.

إن لنا في ما تعانيه بلادنا، من أزمات مثل أزمة الذمم، وأزمة المواطنة، وأزمة التدين، وأزمة الانتماء لمثلٌ سيء يقدم عن تخلي الشعوب عن تاريخها، وثقافتها وعقيدتها، لذلك فإن أولى متطلبات الإصلاح التربوي الحقيقي لتجاوز الإصلاح المزيف هي أن نعيد غرس القيم الوطنية، والأخلاقية، والدينية في نفوس أبنائنا، منذ بداية تمدرسهم، فنعمق فيهم، الاعتزاز بالذات، بأبعادها الوطنية، والحضارية، ففي ذلك تحصين لهم من الغزو الفكري، والثقافي، والإيديولوجي وتلك هي القاعدة الصلبة التي يجب أن ينطلق منها كل إصلاح صحيح.

كما أن العناية بالتاريخ، وباللغة، وبالدين، كما أكد على ذلك علماؤنا الأولون، بالثوابت التي أسسوا عليها جمعية العلماء، ستظل هي الوقاية الحقيقية من داء فقد المناعة الوطنية، والإيديولوجية، التي دبت -للأسف الشديد- إلى بعض الفئات من مجتمعنا.

فيا معالي السيد رئيس حكومتنا الموقرة، إن الإصلاح الحقيقي بيّن، وإن الإفساد الحقيقي بيّن، وما دمنا ننشد الإصلاح الحقيقي، فإن الألف خطوة، تبدأ بالخطوة الثابتة الأولى..

ولنا في تاريخنا، وفي لغتنا، وفي عقيدتنا ما يعصمنا من الزلل، عكس ما يروّج له بعض الصائدين في الماء العكر.

فحذار! إن التاريخ، كما يقول المؤرخ الجزائري رمضان حمود هو محيي الشعوب والأمم، فإن هي شربته في كأس غير كأسها، كان لها السم القاتل..

وإن ثورتنا المجيدة، لم تنتصر بالصينية أو الإنجليزية، أو الفرنسية، وإنما انتصرت بلغة الوطن، لغة الله أكبر، ولا يمكن أن يماري في هذا إلا جاهل فعلموه، أو غافل فنبهوه، أو خائن فانبذوه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى