مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

فضاعة الإجرام، في فك الاعتصام/الدكتور عبد الرزاق قسوم

G-431-150x150-150x1501-150x15022وفعل العسكريون في مصر، فعلتهم النكراء، وأقدموا على ارتكاب مجزرة الدموع والدماء، مروعين الشيوخ، والأطفال، والنساء، فأعادوا مصر عشرات السنين إلى الوراء.

لم يرع الجيش المصري، في شعبه، إلاًّ ولا ذمة، فأطلق العنان لقواته، دون رادع أو وازع، كي تقتل الركّع الساجدين، وتروع الأطفال الآمنين، وتعلن حرب الإبادة على المعتصمين المسالمين.. ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [سورة البروج، الآية 8-9].

أجهز الجيش في مصر، على الشرعية السياسية التي تحققت بعد عناء، فحوّل الربيع المصري إلى خريف وشتاء، أزهاره دماء، وأشجاره أشلاء، وآماله أرزاء: وكل حياته ابتلاء.

عبث العسكريون، بمصر، وهي أرض الله التي قال فيها، عز من قائل: ادخلوا مصر فإن لكم ما سألتم، فحولوها وفق أهوائهم، وأهواء شياطينهم، إلى آياتهم الشيطانية: “احكموا مصر واقتلوا ما استطعتم”.

يا لله لشعب مصر، العالي الهمة كعلو الأهرامات، والعفيف الذمة كعفة جامع الأزهر، وباقي الجامعات، فما للمفسدين يعيثون في هذا الشعب فسادا، فلا يرفع الأزهر له صوتا، ولا يحرك ساكنا؟ وما للعسكريين، يقدمون على هذه المجازر، وكأن مصر، خلت من الجامعيين والجامعيات؟ مما يذكرني بقول الشاعر العراقي، معروف الرصافي:

عجبتُ لقوم يخضعون لدولة يسوسهم في الموبقات عميدها

وأعجب، من ذا أنهم يرهبونها وأموالها منهم، ومنهم جنودها

يحدث كل هذا في غفلة من أشقاء مصر، العرب، وهم الذين طالما استظلوا بمصر، في ثقافتها، وخبرتها، وعملها، فكانوا –جزاء لها- سباقين إلى الاعتراف بالانقلاب عليها، ومباركة الجزارين، في التنكيل بأحرارها، واللائذين بالصمت أمام سفك دماء أبنائها.

وأين من كل هذا ضمير العالم الحر، ولاسيما الغرب منه؟ أليسوا هم الذين طالما دندنوا، بالمطالبة بتطبيق الديمقراطية ونزاهة الانتخابات لتحقيق الشرعية؟ فأين هم اليوم من ضرب أنصار الديمقراطية، والزج بحكام الشرعية، داخل السجون والأقبية؟ أم هل إن الموتى المقدرين بالمئات، دمهم ماء، وحياتهم هباء، وأفئدتهم هواء؟

لسنا ندري –والله- إلى أين تتجه مصر، في ظل الدماء المسفوكة، والأعراض المنهوكة، والمؤامرات المحبوكة؟ وأيا كانت السيناريوهات المحتملة، فإن الفأس والرصاص، قد وقعا في الرأس، وإن الشرخ داخل الشعب المصري، قد تعمقت جراحه، وتضاعفت أتراحه، مما يصعب معه بعد ذلك لم الشمل، وميلاد الأمل، وتجاوز الأسباب والعلل.

ما كنا نريد لمصر الكنانة –يعلم الله- إلا ما يريده لها أبناؤها الأوفياء، والخلّص من مثقفيها الأتقياء، والذائدين عن حياضها وشرعيتها الأوفياء.

لقد فتح العسكريون لمصر، سابقة خطيرة على مستقبل بلادهم، وعلى المنطقة العربية والإسلامية بكاملها. كما نجح العسكريون في مصر وهم الذين لم يعرف النجاح إليهم سبيلا، نجحوا في تقديم صورة سيئة ظالمة عن إسلام مصر، ولوحة سياسية قاتمة عن نظام الحكم في مصر، فإذا ذكر الإسلام في مصر ذكر معه الإرهاب، وإذا ذكر الحكم في مصر ذكر معه الانقلاب. وكنا نريد أن يسود الانتخاب، بدل الانقلاب، وأن يبرز الحب، والإخاء، بدل العنف والإرهاب.

كيف يلقى المسؤولون عن الانقلاب في مصر ربهم؟ وكيف سيواجهون مقصلة التاريخ التي لا ترحم، وقد رملوا الحرائر، وعطلوا الشعائر، وارتكبوا الكبائر، وخلدوا أسماءهم في سجل العار والمجازر، يوم تبلى السرائر.

ويل لهم من قاض السماء، يوم يسأل الموؤودة، والمفقودة، بأي ذنب قُتلت، ولأي جرم فقدت؟ ويوم يقوم الناس لرب العالمين، فيقتص القتيل من القاتل، والمظلوم من الظالم، ويحاسب الطغاة والمجرمون، عما ارتكبوا في حق شعبهم، من طغيان ومن جرائم.

مسكينة مصر الكنانة! ويح لها مما تلاقيه من أبنائها الطغاة العصاة! لقد ارتكبوا في حقها، ما لم يرتكبه الكيان الصهيوني في العصر الحديث ضد شعب مصر، وما لم يرتكبه فرعون في القديم، وفي كل عصر. فهل نلوم بعد هذا كله، استخفاف الأعداء بنا؟ ونكاية الغرباء، في مأساتنا، ومحناتنا؟

نبشر الانقلابيين في مصر، بأنهم، وقد بطل ما كانوا يعملون، وخسر حسابهم وما يخططون، بأنهم سيندمون، ولات ساعة مندم. فقد أتوا من البدع العسكرية والسياسية، والأخلاقية، ما تنوء بحمله الجبال. فالمغامرة التي أقدموا عليها قد خسرت، والمؤامرة التي أوكلوا بتنفيذها قد فضحت وكشفت؛ وستسوقهم الجماهير، غدا، إلى محكمة العدْم.

ونقول لشعبنا المضطهد في مصر، صبرا! صبرا! فأيا كانت ضريبة الدم التي قدمت، وأيا كانت أعداد، الشهداء والشهيدات، التي سقطت، فإن الشرعية مهر، لا يقدر عليه إلا ذوو العزائم، وأن للديمقراطية الحقة، ثمن، لا يقدر على دفعه إلا الأكارم.

إن النتيجة الحتمية، لكل هذه التضحيات هي بسملة، في آية النصر، ومقدمة لملحمة الفخر، فما عرف التاريخ الإنساني، انكسارا لقضية عادلة، ولا انتصارا، لفئة ظالمة، وأن الشعب المصري، وهو يتلوا على العالم آيات الجهاد، والاستشهاد، ويلقي درسه في الصمود والذود عن الحرية، والشرعية، ليخلد ذكره في طليعة المحققين للنصر، وإن النصر، قد تعالت أنغامه، وارتفعت أعلامه، وتوطدت أقدامه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى